بعد وفاة أستاذ العلوم السياسية رضا هلال .. مراقبون: الانقلاب يحارب ضمير الأكاديمي

- ‎فيتقارير

صدمت وفاة الدكتور رضا محمد هلال عمر العجوز، أستاذ العلوم السياسية، كثيرا من زملائه ومحبيه من الأكاديميين أساتذة العلوم السياسية، بعد أن اضطر إلى مغادرة مصر قسرا بعد محاربة الانقلابيين لضميره المهني والمستقل.

وتمكّن ذووه من إحضار جسده إلى قريته أوليلة- مركز ميت غمر، الدقهلية، لتكريمه بالدفن، بعد إحضاره من غربته، بعد رحلة أكاديمية شهد له الجميع فيها بالكفاءة والضمير.

والدكتور رضا محمد هلال، (Reda Mohamed Helal) من مواليد محافظة الدقهلية أكتوبر سنة 1969، وتخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومن بعدها  عمل أستاذا للعلوم السياسية والسياسة العامة بمعهد أكتوبر العالي، وعمل في معهد الدراسات الآسيوية، بجانب إسهاماته البحثية والمقالات التي نشرها في عدد من المراكز البحثية بما فيها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الحكومي المصري.

وخلال ثورة يناير اشتهر الراحل بتحليلاته العلمية الرصينة، وكان ضيفا على القنوات الفضائية، إلا أنه اضطر لمغادرة مصر بعد تعرضه لضغوط شديدة، لمجرد رفضه حذف صفحات من كتابه المقرر على طلاب الكلية بجامعة القاهرة، وكان يدرسه لطلابه بالرغم من تهديده بالأذى من جانب الأجهزة الأمنية، فاضطر للخروج من مصر خوفًا من البطش على الرغم من عدم انتمائه لأي فصيل سياسي.

وقال مراقبون: إن "طلاب العلوم السياسية في مصر خسروا أكاديميا مخلصا في عمله وذا كفاءة وأمينا في التدريس لطلابه الذين نعوه وذكروا خصاله الحميدة بين الأمانة والاحترام والتفاني في العمل، معربين عن تمنيهم نهاية البطش باستقلال الجامعات وبالضمير الأكاديمي الوطني.

ضمير الأكاديمي

وكشف عمار علي حسن  @ammaralihassan أنه "قبل عامين تقريبا (2023) رن "الماسنجر"، وكان المتصل هو الصديق الدكتور رضا هلال، الذي غادر دنيانا اليوم، ما إن ضغطت علامة الإجابة، حتى جاءني صوته تسكنه مرارة شديدة، وقال:

ـ لم أشأ أن أحدثك إلا بعد مغادرة مصر.

وسألته عن سبب المغادرة، فأجابني:

ـ عميد المعهد العالي الذي أقوم فيه بتدريس العلوم السياسية قد استدعاني ونبهني إلى أن هناك اعتراضا على صفحات وردت في كتاب أدرسه لطلابي عن "النظام السياسي المصري"، وقد رددت عليه أن ما ورد بالكتاب منسوب إلى مراجع أساسية في هذا الموضوع، وهي سمات وتصورات وتحليلات راسخة، تدرس لطلاب العلوم السياسية في مصر منذ أكثر من أربعين عاما، ومستقرة في بطون عشرات الكتب.

ثم أبلغني أن العميد قال له في أي:

ـ عليك أن تحذف هذه الصفحات تجنبا للأذى.

كان العميد يبلغه هذا وهو حزين فعلا لأنه أستاذ قانون دولي قدير، ويعرف جيدا أن د. رضا لم يخطئ في شيء، لكن من بوسعه منهما أن يعترض على ملاحظة جاءت من جهة تمسك برقاب الجامعات حتى تخنقها.

وأكد "عمار علي حسن" أنه "لم يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك من زملاء رضا الذين خوفوه من مصير بعض الذين وردت على كتبهم أو محاضراتهم اعتراضات من هذا القبيل أو غيرها، ورغم أن رضا رجل مسالم في الأصل، وانتماؤه الأساسي إلى مصر الشعب والتاريخ، ثم إلى الحقيقة العلمية، فقد خاف من الوقوع في حبائل دائرة الشبهات التي طالما اصطادت كثيرين، فانتظروا عقابا متدرجا أهونه هو المنع من إلقاء المحاضرة أو الفصل من العمل، فترك مصر دون أن يكون قد تعاقد مع أي جهة فيذهب إليها مطمئنا.".

وأشار إلى أن "وارد أن مخاوف رضا كان مبالغا فيها، لكنه الأجواء المسمومة الغامضة، وتغييب القانون، جعل الريب يسكن نفوس كثيرين، وكل على قدر تحمله، ورضا كان يعاني من آثار جلطة دماغية عولج منها على مهل، فاستعاد القدرة على الكلام بعد فقدها، والقدرة على الحركة بعد أن كانت غاية في الصعوبة.. ".

وتابع: "غادر د. رضا مصر تجنبًا للأذى وسعيًا وراء رزق في آن، وكان عزاؤه وقتها، كما أبلغني، أن الراتب الذي يحصل عليه لم يعد بوسعه سد بالوعة التضخم التي تلتهم كل ما يتحصل عليه، الشيء الوحيد الذي كان يضنيه هو ابتعاده عن طلاب أحبوه وأحبهم، وأخلص في تعليمهم، وكان همه أن يضم شبابا إلى النابهين من الجيل الجديد. . غادر د. رضا وثابر وصبر، حتى وافته المنية اليوم، رحمة الله عليه، فقد كان مخلصا طيبا.

https://x.com/ammaralihassan/status/1944489972251210198

الباحث المكافح

الأكاديمي والباحث د. أحمد ناجي قمحة وعبر Ahmed Nagui Kamha رثى (رضا محمد هلال) ووصفه ب"الباحث المكافح، والإنسان الخلوق".

وقال: "في محراب الذكريات، حيث تتراقص أطياف الأحبة الراحلين، يقف اسم “رضا محمد هلال” شامخًا، لا كزميل عمل عابر، بل كرفيق دربٍ حفر اسمه في أعماق الروح. لم يكن مجرد اسم يتردد في أروقة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أو صفحات مجلة السياسة الدولية والديمقراطية، بل كان نبضًا حيًا، وصوتًا صادقًا، وروحًا شفافة، تركت بصماتها الخالدة في كل زاوية من زوايا حياتنا.

كان أكثر من زميل، كان أخًا وصديقًا، تتجاوز علاقته بنا حدود الزمالة المهنية لتلامس أعمق معاني الإنسانية والوفاء.

 رحل “رضا”، وترك خلفه فراغًا لا تملؤه الأيام، وذكرى لا تمحوها السنون، وصدى ضحكة لا يزال يتردد في أذاننا، وكلمات حكمة لا تزال تضيء دروبنا.

 كان رحيله فاجعة، لكن عزاءنا أنه ترك إرثًا من القيم والمبادئ، ومن الحب والخير، سيظل خالدًا في قلوب كل من عرفه".

وأضاف، "كان مثالًا للزميل النابه، الذي يمتلك بصيرة نافذة وحسًا وطنيًا أصيلًا.

 لم يكن ذكاؤه مجرد قدرة على استيعاب المعلومات، بل كان ذكاءً متوقدًا، يرى ما وراء السطور، ويحلل الأحداث بعمق، ويستشرف المستقبل برؤية ثاقبة.

 كانت آراؤه دائمًا ما تحمل بصمة الأصالة والوطنية، نابعة من إيمان راسخ بقضايا أمته ووطنه.

 لم يكن يخشى قول الحق، حتى لو كان مرًا، وكان دائمًا ما يدافع عن المبادئ والقيم التي يؤمن بها.

 أما كرمه، فلم يكن كرم مال فحسب، بل كان كرم نفس، وكرم خلق، وكرم وقت.

 كان معطاءً بلا حدود، يبذل جهده ووقته لمساعدة الآخرين، يقدم النصح والمشورة، ويقف إلى جانب من يحتاج إليه دون تردد. كانت أخلاقه نبراسًا يضيء دروب من حوله، يتسم بالتواضع، والود، والاحترام، لا تعرف نفسه الكبر أو الغرور.

 كان نموذجًا يحتذى به في كل تعاملاته، يترك أثرًا طيبًا في كل قلب يلامسه".

وأشار إلى أن رضا تألم، وأصابه ما أصابه من قسوة الحياة ومرارة الأيام، ولكنه واجه كل ذلك بشجاعة نادرة وقدرة فائقة على التخطي.

 لم يكن يستسلم لليأس، ولم يكن يرضخ للألم، بل كان يقف شامخًا كالجبل، يتلقى الضربات بصبر وثبات، ويحول المحن إلى منح، والصعاب إلى فرص.

 كان راضيًا بقضاء الله وقدره، زاهدًا في الدنيا، لا يلهث وراء متاعها الزائل، بل كان قلبه معلقًا بالآخرة، مؤمنًا بأن ما عند الله خير وأبقى. كان يحمل في طياته روحًا قوية، لا تنكسر أمام الشدائد، وقلبًا مطمئنًا، لا يجزع من الابتلاءات.

 لقد جارت عليه الدنيا كثيرًا، وحمل من الأعباء ما لا يطيقه بشر، ولكنه ظل متمسكًا بثوابته الوطنية، وقيمه وأخلاق قريته المصرية الأصيلة، التي تربى عليها ونشأ في كنفها.

 كانت هذه القيم هي درعه الحصين، وسنده المتين، الذي استمد منه القوة والعزيمة لمواجهة كل التحديات.

https://www.facebook.com/ahmed.n.kamha/posts/pfbid02ShSTigUQSRpNkMUPyhJXAfBEJaBnnV4M3E5hLTKT9sKSpZr4hJYXruTW8xH2MAkel

الأكاديمي في العلوم السياسية والرافض للانقلاب العسكري د.عصام عبدالشافي وعبر Essam Abdelshafy قال: "حاولت كثيرًا أن أكتب، عجزت الكلمات يا حبيبي.. كيف أودعك اليوم وقد حال بيننا المجرمون الفاسدون منذ سنوات.. الأخ والحبيب والصديق د. رضا هلال .. الذي انتقل إلى جوار ربه اليوم، بعد أن فقد الأمن والأمان في وطنه.. وحاربوه لسنوات في رزقه حتى ترك مصر مُكرهًا.. اللهم كن به رحيمًا عفوًا غفورًا كريمًا.. اللهم كن لأهله وأبنائه حافظًا ومعينًا.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. لا تنسوه من صالح دعائكم".