ما أشبه الليلة بالبارحة: هل يعيد السيسي دولة المخابرات على طريقة صلاح نصر؟

- ‎فيتقارير

 

بينما تعلن هيئة الرقابة الإدارية عن إحباط محاولات انتحال صفتها للتجسس على كبار المسؤولين المصريين، يعود إلى الأذهان إرث الحقبة الناصرية حين تحولت أجهزة الدولة إلى أدوات رقابة صارمة على حتى كبار رجال السلطة أنفسهم، في مشهد يكاد يكرر نفسه مع نظام المنقلب السفيه  عبد الفتاح السيسي.

 

فقد جاء بيان الهيئة، الصادر الأربعاء، ليكشف عن “محاولات تضليل وابتزاز” تستهدف مسؤولين كباراً في الدولة وأعضاء بمجلسي النواب والشيوخ، عبر التواصل معهم من أرقام مجهولة بغرض جمع معلومات دقيقة عنهم وعن طبيعة عملهم. ورغم إصرار الهيئة على وصفها بـ"محاولات انتحال صفة"، إلا أن المؤشرات الواردة بين السطور توحي بتوجس داخلي من عمليات تجسس منظمة قد تتورط فيها جهات أجنبية، أو ربما أطراف في الداخل تسعى لإحكام السيطرة على مفاصل الدولة.

 

لكن، هل الأمر محض تحذير أمني من الخارج؟ أم أن المشهد يعيد إنتاج أساليب قديمة من التجسس الداخلي، حيث كانت أجهزة صلاح نصر في الستينيات تتلصص على كبار مساعدي جمال عبد الناصر، حتى أن الأخير كان يطالع بنفسه تسجيلات خاصة لعبد الحكيم عامر داخل غرف النوم، كأداة لإحكام قبضته السياسية عليهم؟

 

دولة المخابرات بين الأمس واليوم

في عهد عبد الناصر، توسعت صلاحيات المخابرات العامة تحت قيادة صلاح نصر لتتجاوز مكافحة الجواسيس الأجانب، إلى مراقبة الحياة الشخصية والسياسية لكبار الضباط والوزراء، لضمان ولائهم التام للنظام. ولعبت تلك الأجهزة دوراً مزدوجاً: حماية النظام من خصومه، وفي الوقت ذاته إخضاع رجاله عبر ملفات ابتزازية لم تترك مجالاً للمعارضة الداخلية.

 

اليوم، ومع هيمنة السيسي على مؤسسات الدولة، يبدو أن الرقابة الإدارية—التي تضم نخبة من ضباط الجيش والأمن—تتبوأ موقعاً مشابهاً، حيث تنخرط في جمع المعلومات وتتبع المسؤولين بدعوى مكافحة الفساد، لكن تحت هذا الغطاء قد تختبئ أيضاً آليات "تأديب" النخب الحكومية والبرلمانية عبر شبكة رقابة غير معلنة.

 

حروب الجيل الخامس أم حروب الداخل؟

البيان أشار إلى "احتمالات تورط أجهزة استخبارات أجنبية" في هذه الوقائع، وربطها بحروب الجيل الخامس التي تستخدم المعلومات أداة لإضعاف الدولة من الداخل. غير أن معارضين يرون أن ترديد مثل هذه التبريرات يخفي قلقاً متنامياً داخل النظام نفسه من انكشاف أسرار الكواليس، أو من محاولات اختراق قادمة قد تبدأ من داخل البيت الحاكم.

 

فالخوف من التجسس في الداخل قد يعني أن الدولة العميقة نفسها لم تعد متماسكة، وأن الصراع على النفوذ والمعلومات بلغ مستويات تهدد بإرباك العلاقة بين الأجهزة الرقابية والتنفيذية، تماماً كما حدث بين ناصر وعامر حين تحولت المخابرات إلى سلاح سياسي بيد الرئيس.

 

إرث ثقيل وسياسات متكررة

التشابه لا يتوقف عند الأسلوب بل يمتد إلى السياق السياسي العام:

 

عبد الناصر جاء بانقلاب عسكري ركز السلطة في يده، واعتمد على الأجهزة الأمنية لحماية مشروعه السياسي.

 

السيسي، بدوره، جاء على ظهر انقلاب، وأعاد عسكرة الدولة، ويستند إلى أجهزة أمنية متداخلة تسيطر على كافة مفاصل السلطة، من الاقتصاد إلى القضاء إلى الإعلام.

 

والفارق الجوهري الوحيد ربما يكون في الوسائل التكنولوجية: حيث استخدمت أجهزة صلاح نصر الوسائل التناظرية للتنصت، يعتمد نظام السيسي على تكنولوجيا الاتصالات المشفرة، وتطبيقات المراقبة الحديثة، وحملات إلكترونية منظمة لتصفية الخصوم أو إحكام السيطرة على النخب.

 

هل هي بداية لعهد "التسجيلات" الجديدة؟

يرى مراقبون أن هذه الواقعة قد تكون مؤشراً على عودة الدولة البوليسية بنسخة أكثر تطوراً، حيث لم يعد التلصص مقتصراً على المعارضين أو النشطاء، بل قد يطال حتى مسؤولي النظام أنفسهم، لضمان ولائهم الكامل وعدم خروجهم عن الخط المرسوم.

 

في المحصلة، وبينما يحذر البيان من "جهات أجنبية"، تتصاعد المخاوف من أن يتحول التجسس الداخلي إلى أداة تأبيد سلطة، عبر مراقبة الجميع، من المسؤولين الكبار حتى أصغر موظف في الدولة، ليجد المصريون أنفسهم أمام نسخة جديدة من دولة المخابرات التي عرفوها جيداً في ستينيات القرن الماضي.