بينما يعيش أهالي قرية دلجا بصعيد مصر فاجعة إنسانية بوفاة خمسة أطفال أشقاء في أقل من 48 ساعة بأعراض غامضة وحادة، سارعت حكومة المنقلب السفاح السيسي إلى إصدار نفي رسمي لأي انتشار لأمراض وبائية أو مُعدية، في بيان بدا للكثيرين أقرب إلى التطمين السياسي منه إلى الحقائق العلمية.
وزارة الصحة، التي يقودها خالد عبد الغفار، نائب رئيس الوزراء ، لم تكتف بالنفي القاطع، بل ذهبت إلى حد استعراض تحقيقاتها الميدانية والمخبرية، مؤكدة "خلوّ الحالات من أي أمراض معدية" وأن تحاليل عينات المياه والغذاء مطابقة للمواصفات. لكنها تركت الباب مواربًا أمام فرضيات أخرى مثل التسمم أو التعرض لمادة سامة، في وقت لا يزال فيه تقرير الطبا لشرعي قيد الانتظار، والتحقيقات القضائية جارية مع ذوي الضحايا. الغموض يزداد مع استمرار وفاة الأطفال تباعًا بنفس الأعراض: ارتفاع شديد في الحرارة، تشنجات، اضطراب في الوعي، وغثيان متكرر، دون قدرة الأجهزة الطبية على تقديم تفسير واضح. فيما حذر أهالي القرية من تكرار المأساة مع الطفلة السادسة، الناجية الوحيدة، التي نُقلت على عجل إلى مستشفى بالقاهرة. الصحة العامة في مأزق أم التعتيم السياسي؟ السرعة التي خرجت بها وزارة الصحة لنفي وجود وباء أثارت تساؤلات عن دوافع سياسية خلف هذا التطمين المفرط، خاصة في ظ لشائعات تتداولها الأوساط الشعبية عن تدهور صحة الرئيس السيسي نفسه، ما جعل النظام أكثر حساسية لأي أنباء عن أزمات صحية قد تهدد صورته أمام الداخل والخارج. وزير الصحة خالد عبد الغفار، الذي كان يُنتظر منه قيادة أزمة شفافة، تحول في الآونة الأخيرة إلى "مُروّج لإنجازات النظام الصحية"، يتحدث عن مستشفيات "ذكية" ومشروعات عملاقة بينما الخدمات الأساسية في الريف تنهار، والمستشفيات الحكومية تعجز عن التعامل مع حالات طارئة مثل مأساة دلجا. تساؤلات مشروعة تنتظر إجابة: لماذا تأخرت الوزارة في الاستجابة لنداءات الأهالي لإنقاذ الأطفال رغم ظهور أعراض متشابهة على أشقائهم قبل أيام؟ هل هناك مرض نادر أو عامل بيئي قاتل يجري التغطية عليه خشية إثارة الرعب العام؟ إلى متى يستمر النظام في التعامل معا لكوارث الصحية باعتبارها "تهديدًا سياسيًا" بدلاً من كونها أزمة إنسانية تتطلب الشفافية؟ في قرية دلجا، حيث يسود الحزن والخوف، يحمّل الأهالي انهيار المنظومة الصحية المسؤولية عن الفاجعة، ويطالبون بتحقيق موسع ومساءلة للمسؤولين عن الإهمال، ومع ذلك، لا يبدو أن النظام مستعد للاعتراف بأي تقصير، مفضلاً التمسك بروايته الرسمية حتى إشعار آخر.