في الوقت الذي يتواصل فيه إضراب العشرات من المعتقلين السياسيين داخل سجن بدر 3، بينهم قيادات بارزة من جماعة الإخوان المسلمين، تتكشف وقائع جديدة عن حجم الانتهاكات وسوء المعاملة، ما يثير تساؤلات عن الأسباب العميقة وراء إصرار نظام المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي على الانتقام الممنهج من رموز الجماعة، رغم أنهم كانوا أحد الأسباب المباشرة في وصوله إلى رأس المؤسسة العسكرية ومن ثم سدة الحكم.
انتقام بلا سقف
الإخوان بين مطرقة السجون وسندان التصفية المعنوية منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في 2013، تبنّى نظام السيسي سياسة “الصفر الإنساني” تجاه قيادات وأعضاء جماعة الإخوان، لم تتوقف عند حدود السجن بل امتدت إلى التصفية المعنوية والعزل التام عن المجتمع.
وفي سجن بدر 3، الذي افتتح في 2022 كجزء من مشروع “السجون الذكية”، يواجه المعتقلون أوضاعاً وصفها حقوقيون بأنها أقرب إلى “التعذيب النفسي الممنهج”. بحسب مركز الشهاب لحقوق الإنسان، دخل 35 معتقلاً في إضراب عن الطعام احتجاجاً على الحرمان من الزيارات والعلاج، بينهم وزير الشباب الأسبق د. أسامة ياسين، بينما نُقل القياديان البارزان محمد البلتاجي وأحمد عارف إلى المستشفى بعد تدهور حالتيهما الصحية.
كما تعرض محمود غزلان لأزمة قلبية، في حين حاول عبد الله شحاتة، مساعد وزير المالية السابق، الانتحار داخل زنزانته جراء العزل المطول وسوء المعاملة.
عقيدة ضد الإسلاميين
خلفيات سياسية لصراع دموي يثير هذا التصعيد تساؤلاً محورياً: لماذا هذا القدر من القسوة تجاه الإخوان، رغم أن السيسي نفسه كان وزير الدفاع في حكومة شكلتها الجماعة بعد الثورة؟ يرى محللون أن الإجابة تكمن في “عقيدة سياسية” تشكّلت لدى السيسي ضد الإسلاميين عموماً، والإخوان خصوصاً، بعد أن أصبح يرى في وجودهم تهديداً مباشراً لبقاء نظامه، هذه العقيدة تغذيها عدة عوامل : الخوف من الشرعية الثورية التي يمثلها مرسي وجماعته، والتي تناقض سردية “إنقاذ الدولة” التي تبناها السيسي بعد 2013. رغبة في إرسال رسالة ردع لكل التيارات الإسلامية التي قد تطمح للعودة إلى المشهد السياسي.
دوافع شخصية تتعلق بعقدة الماضي، إذ يتردد في كواليس النظام أن السيسي لم ينسَ نظرة الشك التي كانت لدى بعض قيادات الإخوان تجاهه حين عيّنه مرسي وزيراً للدفاع، وتُروى حكايات عن لقاءات شهدت “عدم ارتياح متبادل” بينه وبين قيادات مكتب الإرشاد.
تبني نهج إقليمي متماهي مع قوى معادية للإسلام السياسي مثل الإمارات والسعودية ما بعد الربيع العربي. “مدينة الموت البارد” السجون الجديدة كأداة قمع مجمع سجون بدر، الملقب في أوساط حقوقية بـ”مدينة الموت البارد”، أصبح رمزاً لحقبة السجون المؤتمتة التي تعتمد على الكاميرات وأجهزة التشويش أكثر من الاعتماد على البشر، لكن هذه “الحداثة” لم تمنع الانتهاكات؛ بل جعلتها أكثر تعقيداً وخفية، مع صعوبة وصول الأخبار إلى الخارج. أحمد مفرح، مدير “كوميتي فور جستس”، قال إن ما يحدث في بدر 3 “ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل سحق المعارضين السياسين”،داعياً لتدخل دولي عاجل ولجنة تقصي حقائق مستقلة. محاولات تكسير الإرادة.. أم عقاب تاريخي؟ حتى الآن، لا يبدو أن النظام يستهدف فقط إسكات المعتقلين، بل كسر إرادتهم وتحطيمهم نفسياً عبر العزل، الحرمان، والإذلال الممنهج. ويخشى حقوقيون أن تتحول سجون مثل بدر والعقرب ووادي النطرون إلى مقابر جماعية بطيئة، إذا استمرت السياسات الحالية بلا تدخل دولي. الكاتب والمحلل السياسي عصام عبد الشافي يرى أن “انتقام السيسي من الإخوان تجاوز الحسابات السياسية إلى مستوى شخصي وعقائدي”، مشيراً إلى أن النظام “يصفي حساباته مع خصم يعتبره وجودياً”، وهو ما يفسر استمرار ملاحقة قيادات الجماعة حتى من قضوا عشر سنوات خلف القضبان.
هل يفلت السيسي من الحساب؟
بينما يطالب حقوقيون بفتح السجون أمام الرقابة الدولية والإفراج عن المعتقلين المرضى، يتساءل مراقبون: هل سيأتي يوم يُسأل فيه السيسي عن هذا السجل الدموي؟ أم أن دعم حلفائه الإقليميين والدوليين سيضمن له الإفلات من العقاب؟