بعد كارثة سنترال رمسيس…لماذا لا تتوقف الحرائق فى زمن الانقلاب ؟

- ‎فيتقارير

 

 

كارثة الحرائق فى مصر فى زمن الانقلاب لا تتوقف فالحرائق أصبحت ظاهرة يومية يتعامل معها المصريون مثل ظاهرة انهيار العقارات وحوادث السيارات واهمال المستشفيات …الخ .

ورغم أن حريق سنترال رمسيس كان من المفترض أن يدفع حكومة الانقلاب إلى الاهتمام بهذا الملف واتخاذ اجراءات مشددة لتقليص الحرائق وحماية المبانى وحماية أرواح المصريين إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث فالإهمال هو سيد الموقف وسلامة مصر والمصريين ليست محل اعتبار .

هذا الإهمال تسبب فى أن نظام الحريق فى معظم المبانى القديمة لا يعمل، وطفايات الحريق قد تكون منتهية الصلاحية، ومخارج الطوارئ مغلقة أو تستخدم للتخزين، وحتى أنظمة التهوية تكون مليئة بالغبار والزيوت القابلة للاشتعال .

فى هذا السياق أكد خبراء السلامة المهنية، أن حرائق المبانى لم تعد مجرد حوادث فردية، بل أصبحت ظاهرة تستوجب وقفة جادة وإجراءات حاسمة مشددين على أن حماية المبانى، قديمها وحديثها، ليست رفاهية بل ضرورة لضمان مستقبل آمن لأجيال قادمة تستحق أن ترث مدينة آمنة وتراثًا محفوظًا.

وكشف الخبراء أن كود الحرائق المصرى، فى صيغته الحالية، لا يولى اهتمامًا كافيًا لخصوصية المبانى القديمة، موضحين أن تصميمات هذه المبانى، ومواد البناء التقليدية التى استخدمت فيها مثل الأخشاب والأسقف العالية، والشبكات الكهربائية والمائية التى لم تُحدّث منذ عقود، كلها عوامل تجعلها شديدة الخطورة عند وقوع حريق .

 

قصص من الإهمال

 

فى هذا السياق حذر المهندس خالد المهدى، نائب رئيس الجمعية المصرية لخبراء تقييم العقارات من أن الكثير من المبانى الحديثة التى تبدو سليمة من الخارج تخفى وراء واجهاتها قصصًا من الإهمال مؤكدا أن نظام الحريق فى معظم المبانى القديمة لا يعمل، وطفايات الحريق قد تكون منتهية الصلاحية، ومخارج الطوارئ مغلقة أو تستخدم للتخزين، وحتى أنظمة التهوية تكون مليئة بالغبار والزيوت القابلة للاشتعال .

وقال «المهدي» فى تصريحات صحفية : هذا المشهد كان حاضرا فى سنترال رمسيس رغم أنه مبنى حيوى وهام، ولكن يبدو أن إجراءات السلامة الأساسية كانت معطلة أو غير مطبقة بفاعلية مشددا على ضرورة أخذ مواد البناء فى  الاعتبار فى المنشآت الحيوية، حيث أن الخشب مادة أساسية فى هذه المبانى، وهو سريع الاشتعال، والأسقف الجمالونية، والأرضيات الخشبية، وحتى المشربيات، كلها عناصر تزيد من سرعة انتشار النيران، بالإضافة إلى ذلك الممرات الضيقة والسلالم الملتوية، وغياب مخارج الطوارئ الواضحة أو المطابقة للمواصفات الحديثة، كلها أمور تعيق عمليات الإخلاء والإنقاذ بشكل كبير.

وأشار إلى أن البنية التحتية المتهالكة من شبكات الكهرباء القديمة التى تعُدّل بشكل عشوائى على مر السنين دون رقابة، قد تكون سببا فى تعاظم الحرائق التى تندلع فى هذه المبانى، بجانب نقص الصيانة الدورية، حتى لو كانت المبانى مزودة بأنظمة حريق حديثة، فإن غياب الصيانة يجعلها عديمة الفائدة، مطالبا بضروة أن تكون هناك جداول صيانة صارمة لأنظمة الكشف والإنذار، والإطفاء.

 

المبانى القديمة

 

وأوضح «المهدي» أن المبانى القديمة لم تدرج ضمن كود الحرائق، لأنه حديث النشأة إلى حد ما، حيث صدر أول كود للحرائق عام 2000 ضمن سلسلة الأكواد المصرية للتشييد والبناء، تحت مسمى الكود المصرى لأسس التصميم واشتراطات القيد لحماية المنشآت من أخطار الحرائق، وتم تحديثه فى منتصف 2024، ليتوافق مع المعايير العالمية، وهو يشمل اشتراطات الحماية من الحريق فى المبانى الحكومية والتجارية، السكنية، المدارس، المستشفيات، والمنشآت الصناعية.

وأكد أن التخاذل فى حماية مبانينا ومنشآتنا القديمة والحديثة، من الحرائق لا يهدد بضياع كنوز معمارية فحسب، بل يضع حياة المواطنين فى خطر، لافتا الى أنه حان الوقت لكى ندرك أن الحفاظ على تاريخنا يتطلب رؤية مستقبلية شاملة تبدأ من تطوير قوانيننا وتفعيل آليات تنفيذها.

 

الطاقة والتبريد

 

وقال خبير تكنولوجيا وأمن المعلومات المهندس محمود فراج، إن الأسباب المحتملة لاندلاع الحرائق فى المنشآت الحيوية عديدة منها المشاكل المتعلقة بالطاقة الكهربائية، سواء كان ذلك بسبب خلل فى توزيع الطاقة، أو تحميل زائد على الكابلات، أو تآكل العزل والكابلات نفسها، وكلها عوامل تؤدى إلى حدوث ماس كهربائى. مشيرا إلى أن الكابلات فى هذه المبانى غالبًا ما تكون من الفايبر أو النحاس القديم، وكثير منها سريع الاشتعال، فهذا يُزيد من سرعة انتشار الحريق وصعوبة السيطرة عليه .

وأرجع "فراج" فى تصريحات صحفية الكثير من الحرائق إلى فشل أنظمة التبريد، موضحا انه إذا كان هناك خلل فى أنظمة التكييف المسؤولة عن تبريد الأجهزة والمكان، فقد يؤدى ذلك إلى ارتفاع درجات الحرارة الداخلية بشكل كبير واشتعال المكان.بجانب الأخطاء البشرية والإهمال، فعدم الاهتمام بصيانة الأنظمة الداخلية، سواء كانت أنظمة الإطفاء الذاتى، أو الإنذار، أو حتى عمليات الإخلاء، يُعد من أبرز عوامل حدوث الكوارث.

وأكد أهمية أن يكون هناك تدريب دورى ومكثف للعاملين فى جميع المنشآت، سواء الحكومية أو الخاصة، على كيفية التعامل مع الكوارث وإجراءات السلامة والإخلاء، مع نشر ثقافة السلامة حيث يجب أن يصبح الوعى بالسلامة وكيفية التصرف فى الأزمات جزءًا من الثقافة العامة للمجتمع، مع وجود خطط بديلة للطوارئ لضمان استمرارية العمل فى حال توقف المبنى الرئيسى.

 

كود الحرائق

 

وشدد "فراج" على أن حادث حريق سنترال رمسيس يُعد دعوة صريحة ومُلحة لإعادة تقييم شامل لجميع المبانى، قديمها وحديثها، ووضع خطط استباقية لضمان سلامتها، مؤكدا أن الحفاظ على الأرواح والممتلكات والتراث هو مسئولية جماعية.

فيما يتعلق بالسبب الحقيقى لحريق سنترال رمسيس، قال ان التصريحات الأولية أشارت إلى ماس كهربائى، لكن سبب حدوث هذا الماس لم يُعلن ، وقد يكون لا يزال قيد التحقيق لتحديد ما إذا كان نتيجة لمشكلة فى التبريد، أم تآكل الكابلات أو أى سبب آخر .

وطالب "فراج" بضرورة التدريب الدورى للموظفين على كيفية التصرف فى حالات الطوارئ، وكيفية استخدام معدات السلامة، لتجنب الكوارث المستقبلية متوقعا أن المبنى كان مجهزًا بأنظمة حماية، لكنها لم تعمل بالشكل المطلوب، وقد يكون ذلك بسبب فصل التيار الكهربائى الذى عطل هذه الأنظمة.

وأشار إلى أن الكود المصرى للحماية من الحرائق يهدف إلى حماية الأرواح والممتلكات عبر توفير وسائل الحماية اللازمة ومنع انتشار الحرائق، وضمان فعالية أنظمة التصميم والتركيب والصيانة الدورية متسائلا هل تم تنفيذ اشتراطات الكود بالكامل؟

وأوضح "فراج" أن البنية الهيكلية والتصميم الهندسى، هذه الجزئية من الكود خارجة عن إرادتنا فى المبانى القديمة مثل سنترال رمسيس، حيث لا يمكن إعادة بناء المبنى من جديد  مؤكدا أن المشكلة تكمن فى أجهزة الإطفاء وصيانتها فهل يتم صيانة هذه الأجهزة دوريًا؟

وقال ان انتشار الحريق بهذه السرعة، خاصة بين الأدوار من السابع إلى العاشر، يدل على أن هذه الأنظمة قد تكون توقفت أو لم تعمل بفاعلية، كما أن فصل التيار الكهربائى أثناء الحريق قد يكون قد أثر على عمل هذه الأنظمة التى تحتاج للكهرباء.

وشدد "فراج" على أن اتباع إجراءات السلامة والأمان والحماية ليس تكلفة إضافية، بل هو تكلفة ضرورية لاستمرارية العمل، مؤكدا أن الخسائر الناتجة عن كارثة مثل حريق سنترال رمسيس، من انقطاع الاتصالات وتعطيل الخدمات، هى خسارة أكبر بكثير من تكلفة توفير أنظمة الحماية والصيانة.