أعلنت الرئاسة السورية، اليوم السبت، وقفاً شاملاً لإطلاق النار في محافظة السويداء جنوبي البلاد، ودعت الأطراف إلى الالتزام الفوري به، محذّرة من انتهاكه. وحثت الرئاسة، في بيان لها، "جميع الأطراف، دون استثناء، على الالتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء الأعمال القتالية في جميع المناطق على الفور، وضمان حماية المدنيين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق"، كما حذرت الرئاسة، في بيانها، من أي خرق لقرار وقف إطلاق النار، معتبرة أن ذلك سيعد "انتهاكاً صريحاً للسيادة الوطنية وسيُواجه بما يلزم من إجراءات قانونية وفق الدستور".
بدورها، أعلنت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز برئاسة الشيخ حكمت الهجري، في بيان، التوصل لاتفاق مع الحكومة السورية "بناء على المفاوضات التي جرت برعاية الدول الضامنة". وقالت إنّ الاتفاق ينص على "نشر حواجز تابعة للأمن العام خارج الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، بهدف ضبط الاشتباك ومنع تسلل أي مجموعات إلى داخل المحافظة"، كما ذكر توجيهات بخصوص "ما تبقى في الداخل من أبناء العشائر في مناطق المحافظة" بأن "يُسمح لهم بالخروج الآمن والمضمون".
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا، صباح اليوم السبت، إنّ قوات الأمن السوري بدأت بالانتشار داخل محافظة السويداء لفض الاشتباكات بين مقاتلين من العشائر وفصائل مسلحة محلية. وأوضح مصدر أمني سوري مسؤول لـ"العربي الجديد" أنّ الأمن العام سينتشر خلال المرحلة الحالية في المناطق التي تسيطر عليها عشائر البدو في ريف السويداء.
وفي سياق موازٍ، دخلت أرتال تابعة لـ"الأمن العام" إلى ريف السويداء الغربي، وتمركزت مؤقتاً في قرية المزرعة، وسط حالة من التوتر والاستنفار، إلا أن هذه القوات سرعان ما انسحبت باتجاه ريف درعا بعد اندلاع اشتباكات مسلّحة في مدينة السويداء، حالت دون استقرارها هناك. لكن هذه القوات عاودت الانتشار مرة أخرى صباح اليوم السبت في ريف السويداء ومن المتوقع أن تصل لاحقاً إلى داخل مدينة السويداء، وفق ما ذكر مصدر أمني خاص لـ"العربي الجديد"." وأفادت مصادر صحفية أنّ وزارة الدفاع السورية أمهلت مقاتلي العشائر ساعاتٍ لـ"تسليم السلاح الثقيل الذي استولت عليه من مقرات المجموعات المسلحة في السويداء"، وأنها طلبت منهم مغادرتها فجراً. واعتباراً من ساعات بعد ظهر أمس الجمعة، انسحبت قوات العشائر من بعض مناطق ريف السويداء، تحديداً من قرى الدور والمزرعة وولغا، في حين لا تزال مجموعات أخرى متمركزة داخل منطقتي سوق الهال والمنطقة الصناعية داخل مدينة السويداء.
وكانت الرئاسة السورية قد أعلنت، ليل الجمعة السبت، العمل على إرسال قوة متخصصة لفض الاشتباكات في الجنوب، مؤكدة أن "الهجوم على العوائل الآمنة وترويع الأطفال أمر مدان ومرفوض بكل المقاييس". وأعربت الرئاسة السورية، في بيان لها، عن "بالغ قلقها وأسفها العميق حيال الأحداث الدامية التي شهدها الجنوب السوري"، والتي وصفت بأنها "نتيجة تحركات مجموعات مسلحة خارجة عن القانون استخدمت السلاح لبث الفوضى وترويع حياة المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال".
بدوره، قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية توماس برّاك، اليوم السبت، إنّ إسرائيل وسورية اتفقتا على وقف إطلاق النار "بدعم من تركيا والأردن ودول الجوار". وكتب برّاك، في منشور على منصة إكس، أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس السوري أحمد الشرع وافقا، بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، على وقفٍ لإطلاق النار حظي بتأييد تركيا والأردن ودول الجوار". وأضاف المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية: "ندعو الدروز والبدو والسُّنة إلى إلقاء السلاح، والعمل مع بقية الأقليات على بناء هوية سورية جديدة وموحدة". وحثّ "جميع السوريين على احترام بعضهم البعض، والعيش بسلام وازدهار مع جيرانهم". ولم يصدر عن دمشق أو تل أبيب، إلى الآن، تعليق على إعلان برّاك اتفاقهما على وقف لإطلاق النار.
وفيما قال نقيب الأطباء في السويداء عمر عبيد إن المستشفى الحكومي في مدينة السويداء استقبل أكثر من 400 جثة منذ صباح الاثنين، بينها جثامين لنساء وأطفال، قالت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان إنها وثقت مقتل ما لا يقل عن 321 سورياً، بينهم 6 أطفال و9 نساء وإصابة ما يزيد على 436 آخرين بجروح متفاوتة خلال الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء. وذكرت الشبكة السورية أنها أنجزت تقريراً يغطي الفترة الممتدة من 13 يوليو/ تموز 2025 وحتى الجمعة، التي شهدت اشتباكات عنيفة وأعمال عنف متصاعدة، شملت عمليات قتل خارج إطار القانون، وقصفاً متبادلاً، إلى جانب هجمات جوية نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة إلى أن الحصيلة الأولية تشمل ضحايا من المدنيين، بمن فيهم أطفال وسيدات وأفراد من الطواقم الطبية، إضافة إلى مقاتلين من مجموعات عشائرية مسلحة من البدو، وأخرى محلية خارجة عن سيطرة الدولة من أبناء المحافظة، إلى جانب عناصر من قوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية.
وحثّ مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، أمس الجمعة، السلطات السورية على ضمان المحاسبة والعدالة في ما يتعلق بعمليات القتل والانتهاكات في مدينة السويداء جنوبي البلاد. وقال تورك في بيان: "يجب أن يتوقف سفك الدماء والعنف، وأن تكون الأولوية القصوى لحماية جميع الناس، بما يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان".
عائلات تنتظر نقلها خارج السويداء
ينتظر السكان في السويداء تطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يقضي بخروج آمن لمواطنين من عشائر بدو مدينة شهبا ويقدر عددهم بالآلاف وقد جرى تجميعهم في أحد المساجد بالمدينة. وقال مصدر خاص من أمام جامع مدينة شهبا إنهم ينتظرون حافلات النقل لإتمام العملية، مشيراً إلى أن "هؤلاء المواطنين من أبناء العشائر هم أهل ويجب أن تنتهي هذه المحنة التي نمر بها، ونعود كما كنا متعايشين في هذه الأرض".
وتقول المعلومات إن فصائل محلية تابعة للرئيس الروحي للطائفة الدرزية، حكمت الهجري، أسرت عددًا من الأهالي البدو معظمهم من النساء والأطفال، وسط مخاوف من أن تطالهم عمليات انتقامية.
وأظهرت تسجيلات مصورة، نقلها ناشطون، جموعا غفيرة من المدنيين يتوسطهم مسلح ينتمي لإحدى الفصائل مهددًا بالمس بهم في حال اقتراب مقاتلي العشائر المهاجمة للمدينة.
ويقدر أن أكثر من ألفي شخص موجودين في المسجد، بينما قدر عددهم "تجمع عشائر الجنوب"، أبرز الجهات المشاركة في الاقتتال، أن عدد المحاصرين في أبناء العشائر في السويداء نحو 4000 شخص، بينهم أطفال ونساء ومسنين.
تفاؤل حذر بوقف النار
تلقى المجتمع المحلي في محافظة السويداء الأنباء عن التوصل إلى اتفاق بكثير من الحذر والفرح بنفس الوقت، معبرين عن أملهم بنجاح الاتفاق كي يتمكنوا من لملمة جراحهم، ودفن موتاهم، وعودة النازحين إلى بيوتهم.
وقد تبادل الطرفان، مقاتلو العشائر، والفصائل المحلية، الاتهامات بخرق الاتفاق، فيما حذرت الفصائل من وجود اختراقات و"خلايا نائمة" في مدينة السويداء، التي تعاني من أوضاع إنسانية صعبة في ظل تواصل انقطاع المياه والكهرباء.
قتلى بتواصل الاشتباكات بين العشائر وفصائل محلية
رغم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، إلا أن الاشتباكات تتواصل في مدينة السويداء وريفها بين مقاتلي العشائر والفصائل المحلية في عدد من المناطق. وقد قتل ستة أشخاص على الاقل، عصر اليوم في منطقة اللوا نتيجة كمين نصبه مقاتلون من العشائر عند قرية المتونة، في الريف الشمالي لمحافظة السويداء، فيما تتحدث شبكات محلية عن سقوط قتلى أيضا لدى مقاتلي العشائر نتيجة كمائن من جانب المسلحين المحليين.
وذكرت مصادر صحفية أن الاشتباكات تتركز في حي العمران بمدينة السويداء، وفي منطقة اللجاة عند بلدة عريقة بالريف الغربي لمحافظة السويداء.
الصفدي يبحث مع براك تثبيت وقف النار في السويداء
بحث وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردنيين أيمن الصفدي مع السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سورية توماس برّاك الأوضاع في محافظة السويداء فيما سيلتقي الصفدي مساء اليوم في العاصمة عمان، نظيره السوري أسعد الشيباني.
وبحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الأردنية، بحث الصفدي وبّراك "جهود تثبيت وقف إطلاق النار الذي أُنجِز فجر اليوم السبت في محافظة السويداء السورية، وضرورة تنفيذه حمايةً لسورية ووحدتها ولمواطنيها، وبما يحقن الدم السوري ويضمن حماية المدنيين، وسيادة الدولة والقانون".
وثمّن الصفدي الدور الأساسي الذي تقوم به الولايات المتحدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وضمان أمن واستقرار سورية وسلامة مواطنيها، مؤكّدًا استمرار الشراكة والتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية في هذا المجال. وأكد الوزير الأردني وقوف المملكة وتضامنها الكامل مع سورية وأمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها ومواطنيها، مشدّدًا على أن أمن سورية واستقرارها ركيزة لاستقرار المنطقة.
وبشأن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سورية وتدخلها في شؤونها دان الصفدي هذه الاعتداءات، باعتبارها خرقًا فاضحًا للقانون الدولي، وخرقًا لسيادة سورية يهدد أمنها واستقرارها ووحدتها وسلامة مواطنيها.
السويداء تحت النار… أزمات إنسانية وانقسامات عميقة
خلّفت الاشتباكات الدامية المستمرة في مناطق متعددة من محافظة السويداء السورية واقعاً من الدمار والقتل والتهجير، وكشفت هشاشة خطيرة في المنظومة الإنسانية والخدمية بالمحافظة، لا سيما في خدمات الدفاع المدني والإسعاف والإطفاء. واندلعت الاشتباكات العنيفة فجأة، لتترك الشوارع ممزقة، وعشرات المباني المدمرة أو المحترقة، وأعداداً كبيرة من الجرحى، بينما هناك نقص حاد في سيارات الإسعاف، وشح في المستلزمات الطبية الأساسية والأدوية، وضغط هائل على المستشفيات، وكل هذه عوامل حوّلت عملية إنقاذ حياة إنسان إلى معجزة.
سورية: مساعدات إنسانية للسويداء فور تأمين ممرات آمنة
أعلنت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، هند قبوات، أن الوزارة وبالتعاون مع مكتب التعاون الدولي في وزارة الخارجية والمنظمات الإنسانية العاملة في سورية تواصل جهودها الرامية إلى الاستجابة لنداءات الأهالي في جنوب البلاد، مشددة على جاهزية تامة لإرسال مساعدات إنسانية وطبية وغذائية فور توفر الظروف الملائمة. موضحة أن "الاستعدادات اللوجستية والإدارية قائمة منذ أيام، ويتم التنسيق على أعلى المستويات مع الجهات الطبية والإغاثية المختصة لتأمين وصول القوافل الإنسانية إلى محافظة السويداء، التي تعيش أوضاعاً حرجة نتيجة تصاعد التوترات والقصف الإسرائيلي المتكرر في محيطها".
قوى الأمن انتشرت في الريفين الغربي والشمالي للسويداء
أفاد المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، بأنّ قوى الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية بدأت في الانتشار داخل محافظة السويداء، مشيراً إلى أنها موجودة الآن في قرية المزرعة قرب مدينة السويداء. وأوضح البابا في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ الغاية من الانتشار هو "تنفيذ الاتفاق الذي تم التوافق عليه، عملاً بتوصيات رئيس الجمهورية لتأمين المدنيين والممتلكات العامة والخاصة وفتح طريق وممرات إنسانية لدخول المساعدات الى السويداء وخروج المحتجزين والمحاصرين داخل المدينة". وعبر عن أمله أن يكون الاتفاق "خطوة أولى لعودة الأمن والقانون إلى محافظة السويداء".
وأشار البابا إلى أن قوى الأمن انتشرت حتى الآن في الريفين الشمالي والغربي من محافظة السويداء، والهدف هو تسهيل حركة الدخول والخروج بشكل آمن من وإلى المحافظة والاتفاق على إعادة مؤسسات الدولة بشكل كامل. وحول مدى التوافق على الاتفاق داخل السويداء نفسها، أوضح البابا أنّ هناك قوى وطنية في محافظة السويداء تؤيده وهناك توافق كبير عليه داخل المحافظة. كما أشار إلى وجود تعاون كبير للعشائر مع الدولة السورية.
"إسرائيليون" استخدموا العنف خلال محاولتهم التسلل إلى سورية
قال الجيش الإسرائيلي، السبت، إن عدداً من الإسرائيليين "استخدموا العنف" ضد قواته لدى محاولتها التصدي لعمليات تسلل إلى سورية عبر منطقة مجدل شمس الحدودية، خلال ساعات الليل. وزعم في بيان أنه خلال ساعات الليلة الماضية، عملت قوات تابعة للجيش ووحدة حرس الحدود على "تفريق تجمهر عنيف لعشرات المواطنين الإسرائيليين في منطقة الحدود مع سورية".
وأشار الجيش إلى أنه بعد انتهاء التجمهر "قام بعض المواطنين باجتياز السياج الحدودي إلى داخل الأراضي السورية في منطقة مجدل شمس، مستخدمين العنف ضد القوات"، على حد ادعائه. و"مجدل شمس" هي قرية في الجولان السوري المحتل، معظم سكانها من الدروز. وادعى البيان أن الجيش الإسرائيلي "ينظر بخطورة بالغة" إلى ما سماه "كل اعتداء يمارس ضد جنوده وقوات الأمن"، معتبراً أن اجتياز السياج الحدودي إلى سورية "يشكل مخالفة جنائية ويعرض سلامة الجمهور والقوات للخطر"، على حد تعبيره.
وخلال الأيام الأخيرة نظم إسرائيليون دروز احتجاجات قرب الحدود مع سورية، وتسلل العديد منهم إلى داخل أراضيها بينما كانت تشهد محافظة السويداء جنوبي سورية، منذ الأحد