أثارت موافقة مجلس نواب السيسي، بشكل نهائي على مشروع القانون المقدم من حكومة الانقلاب بتعديل بعض أحكام قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981، انتقادات داخل الأوساط التعليمية ومخاوف واسعة بين أولياء الأمور خاصة مع تضمين هذه التعديلات الكثير من الألغام .
وأكد خبراء تربويون أن مشروع القانون بصيغته الحالية قد يكون بداية لخصخصة التعليم والغاء المجانية، معربين عن تخوفاتهم من تحويل الطلاب إلى حقل تجارب لأي نظام تعليمي مستحدث.
يُشار إلى أنه وفق تعديلات قانون التعليم يجوز أن يخصص لأعمال السنة نسبة مئوية لا تتجاوز 20% من المجموع الكلي لطلاب الشهادة الإعدادية وهو ما أثار مخاوف من تطبيق أعمال السنة في الشهادة الإعدادية ما يعنى أن الطالب سيكون ضحية للمدرس والدروس الخصوصية .
أعمال السنة
من جانبها قالت رودي نبيل، مؤسس مجموعة "معًا لغد مشرق" وأدمن جروبات أولياء الأمور، إن هناك مخاوف واقعية من تطبيق أعمال السنة في الشهادة الإعدادية.
وأضافت رودى نبيل، في تصريحات صحفية أن وزارة تعليم الانقلاب تزعم أنها تريد إعادة الطالب إلى المدرسة، وربطه بالعملية التعليمية ، مشيرة إلى أنه رغم النية الحسنة، يبقى هناك تاريخ طويل جعل من عبارة "أعمال السنة" مصدراً للتوجس.
وأوضحت أن من ضمن المخاوف من تطبيق نظام أعمال السنة الخوف من استغلال الدروس الخصوصية، فبعض أولياء الأمور يرون أن بعض المدرسين قد يستغلون إضافة أعمال السنة كورقة ضغط غير مباشرة، لإجبار الطالب على أخذ دروس خصوصية معهم، بحجة أن درجات التقييم العملي مرتبطة بتفاعل الطلاب، حتى لو لم يصرحوا بذلك مباشرة.
أيضا غياب آليات الرقابة المدرسية، حيث تفتقر بعض المدارس إلى آليات رقابة شفافة تضمن أن درجات أعمال السنة تمنح بناء على معايير موضوعية، بعيدا عن المجاملات أو المجازفات أو تصفية الحسابات.
وتابعت استغلال أعمال السنة في التمييز بين الطلاب، لأن بعض أولياء الأمور يخشون أن يؤدي هذا النظام إلى تمييز غير عادل بين طلاب الفصل الواحد، إذا ارتبط تقييم الطالب برأي المدرس بشكل كبير، مما قد يخلق مشكلة نفسية أو شعورا بالظلم لدى بعض الطلاب، خاصة فى هذه المرحلة العمرية الحرجة لطالب فى بداية المراهقة.
وكذلك تشويش على المجهود الأكاديمي الحقيقي، فقد يشعر الطالب أن مجهوده في التحصيل الدراسي لا يحقق حصوله على درجة عادلة، إذا طغت أعمال السنة على التقييم، خاصة إذا لم يكن يجيد التواصل والتفاعل في الحصة متل باقي أقرانه ، أو لا يملك الجرأة للمشاركة رغم تفوقه النظري.
أيضا هناك قلق من غموض التفاصيل، حيث تحيط الضبابية بكيفية تطبيق هذا النظام مما يصبح مصدر قلق في حد ذاته. فحتى الآن، لم تتضح الصورة بالكامل حول كيفية احتساب النسبة، ولا معايير التقييم الدقيقة، ما جعل بعض الأسر تشعر أنها أمام قرار مش فاهمينه بشكل كاف للان.
البوصلة التربوية
وأعربت الخبيرة التربوية، الدكتورة بثينة عبد الرءوف، عن رفضها إدراج نسبة 20% من درجات الصف الثالث الإعدادي كأعمال سنة، معتبرة أن هذه السنة هي الوحيدة التي يُقاس فيها الطالب بعيدًا عن سلطة المدرس أو تأثير الدروس الخصوصية .
وحذرت بثينة عبدالرءوف فى تصريحات صحفية من أن إدخال أعمال السنة في هذه المرحلة يفتح الباب أمام عدم العدالة، وربما الاستغلال .
وقالت : الصف الثالث الإعدادي كان آخر ما تبقّى من مساحات التقييم الموضوعي، لأن الطالب ينجح أو يرسب وفق امتحان رسمي واضح، أما الآن، فقد يُعاقب الطالب فقط لأنه لم يأخذ درسًا، أو لأنه لم يرضَ معلمه، وبهذا نفقد البوصلة التربوية .
وأشارت بثينة عبدالرءوف إلى أن من أكبر ثغرات قانون التعليم المقترح هو غياب أي رؤية لمعالجة أزمة نقص المعلمين، متساءلة كيف نتحدث عن تطوير تعليمي في ظل عجز مزمن؟ .
وشددت على أن التعليم لا يمكن أن يستمر بدون المعلم، حتى لو أدخلنا التكنولوجيا والأنظمة الحديثة، فلا بد من وجود إنسان يعلّم ويتفاعل، مؤكدة أن تجاهل المعلم في القانون، وعدم التطرق إلى سبل سد العجز، يجعل من أي تطوير شكلاً بلا مضمون .
مجانية التعليم
قال الدكتور كمال مغيث، الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية، إن المسار الحالي لا يمثل مجرد تطوير شكلي، بل يكشف عن سياسة ممتدة من الانتقاص التدريجي من مجانية التعليم وحق المواطنين في مدرسة حكومية جيدة، مشيرًا إلى أن جذور الأزمة تعود إلى عام 2014، حين أصدر عبد الفتاح السيسي، قرارًا بعدم تعيين معلمين جدد في المدارس الحكومية.
وأضاف مغيث فى تصريحات صحفية : منذ ذلك الحين أصبح لدينا عجز هيكلي تجاوز اليوم 600 ألف معلم، والسبب المباشر كان الخضوع لشروط صندوق النقد التي قضت بوقف التعيين في الجهاز الإداري، فدُفنت أي محاولة للإصلاح من أساسها .
وأوضح أن الانسحاب لم يقتصر على الموارد البشرية، بل امتد إلى الميزانية نفسها؛ إذ إن المادة 19 من الدستور تلزم دولة العسكر بتخصيص 4% من الناتج المحلي الإجمالي للتعليم، بينما لا يتجاوز ما يُصرف فعليًا 1.8%، أي أقل من النصف، الأمر الذي يعتبر تقليصًا مقصودًا، لا يمكن وصفه إلا بأنه انسحاب سياسي من مسؤولية الدولة تجاه التعليم .
وشدد مغيث على أن فرض مصروفات على التعليم الحكومي، وإن بدت رمزية في ظاهرها، يمثل تحوّلاً في الفلسفة التربوية نفسها، من الحق إلى الامتياز، موضحا أنه حين تُطالب الأسر الفقيرة بدفع 300 أو 500 جنيه، بعد أن نشأت أجيال على مجانية التعليم، فأنت تخلق طبقية تعليمية تحت غطاء التقشف، وهذه السياسات تمهّد لفكرة واحدة هي أن التعليم الجيد لم يعد للجميع .
وأشار إلى أن تعديلات قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981، لا تنفصل عن هذا المسار، مؤكدا أنها محاولة تشريعية لتقنين فكرة المصروفات عبر فرض نظامين مختلفين للتعليم تعليم تقليدي وآخر بنظام البكالوريا، متوقعًا أن النتيجة المباشرة ستكون أن الفقير سيذهب للمدرسة كي ينجح فقط، بينما يستطيع الأغنياء دفع أموال لتحسين الدرجات والحصول على فرص تعليمية أفضل، الأمر الذي سيخلق تمييزا طبقيا لا يليق بمجتمع يدّعي المساواة.
وحذّر مغيث من أن العدالة التربوية تُفكك من الداخل، لا بضربة واحدة، بل عبر قرارات متراكمة تسلب التعليم معناه، وتحوّله من حق دستوري إلى خدمة مدفوعة، يتحدد شكلها وفق قدرة ولي الأمر لا قدرات الطالب .