انتقد صندوق النقد الدولي توسع الجيش لأنشطته الاقتصادية بمصر في تقرير المراجعة الرابعة، مشيرا إلى وجود تباطؤ في تنفيذ برنامج التخارج -الخصخصة- من الكيانات الاقتصادية المملوكة للدولة، واتجاه الجيش إلى تنفيذ مشاريع إضافية وشراء كيانات خاصة، وكشف تقرير المراجعة الرابعة لصندوق النقد أن: "الجيش يمتلك 97 شركة، منها 73 صناعية، مع حصة سوقية تصل إلى نحو 36% في بعض القطاعات المدنية، وهيمنة على قطاعات الرخام والجرانيت والأسمنت والصلب".
وعلق المستشار مراد علي عبر @mouradaly "كيف لقيادة عسكرية، بل كيف يمكن لأي مؤسسة – عسكرية كانت أو مدنية – أن تدير 97 كيانًا اقتصاديًا بشكل فعّال، بينما أضخم التكتلات الاقتصادية العالمية تعتمد على تقليص عدد الشركات التابعة لضمان التركيز والفاعلية؟ ".
وأضاف "هذه الشركات لا تنشط في مجال استراتيجي واحد، بل تشمل قطاعات تجارية وخدمية وإنتاجية لا تمت بصلة لطبيعة المؤسسة العسكرية، التي أُنشئت لحماية الدولة لا لمنافسة القطاع الخاص أو السيطرة على السوق.".
وتساءل على فرض جدلي – لا يُقصد به التصديق – لو "أن قيادة الجيش نجحت في إدارة هذه الشركات بالكفاءة المطلوبة، فماذا يتبقى لها من وقت وجهد وموارد ليتفرغ للمهام العسكرية الأساسية؟ ".
وأضاف، "وهل يعقل أن تكون حماية الوطن تتم على هامش الاجتماعات الإدارية ومجالس إدارات الفنادق والمصانع ومحلات البقالة؟".
واعتبر "علي" أن "انغماس جيش مصر في هذا العدد الكبير من الأنشطة الاقتصادية يقود إلى تآكل الدور العسكري المحض الذي أنشئ من أجله، ويؤكد وجود خلل لدي متخذ القرار في مفهوم الدولة وتوزيع وظائفها".
قوانين لإحكام السيطرة
وأعدت حكومة السيسي قانون جديد يُقصي شركات الجيش من الخصخصة، ويقصر البيع على الشركات المملوكة للشعب، فقط لتتحايل على شروط صندوق النقد.
ويعد جهاز الخدمة الوطنية التابع لـ الجيش المصري هو المسؤول عن تشغيل الشركات والمصانع المنتجة لـ البسكويت والجمبري والألبان ومنتجات كثيرة في جميع المجالات " شركات الجيش"، وبحسب موالين للنظام فإنها شركات مسجلة وتخضع للرقابة من داخل الجهاز وليس من السلطة المدنية، وهي ليست في الواقع كما أي شركة أو مصنع في القطاع الخاص.
وشركات الجيش ومصانعه إنتاجها وتشغيلها مصري بعمالة مصرية مدنية وهي معافاة من الجمارك والضرائب عدا الأجور الثابتة والتأمينات على العمالة الثابتة وليست كما القطاع الخاص، حيث إن لها ميزات تنافسية في تكاليف الإنتاج والتشغيل كما يملك الجيش من 80% إلى 90% من أراضي الدولة.
وبقرار جمهوري من رئيس الجمهورية (عسكري) يخصص للجيش بأفرعه (جهاز مستقبل مصر التابع للقوات الجوية كمثال) أي مساحة من الأرض، حتى لو بآلاف الكيلومترات، ونقل تبعيتها من (حق المنفعة العامة) إلى حق الجيش في السيطرة عليها والانتفاع بها.
وذلك من خلال بقانون استخدام الأراضي الصحراوية (رقم 143 لسنة 1981) وقانون آخر (رقم 17 لسنة 2001) خاص بالمناطق الإستراتيجية، يمنحان وزير الدفاع الصلاحية المطلقة في تعيين الأراضي التي يريد الاستحواذ عليها، وتخصيصها لأغراض الدفاع، فيجري تخصيصها باستصدار قرار جمهوري بناء على توصية الوزير، ثم يحق لوزير الدفاع طبقًا لنفس القانون، تغيير الغرض من استخدام الأرض، والاستفادة منها في أغراض أخرى، يعني ممكن يقطعها ويبيعها، يبني عليها، يزرعها..
وبحسب شريين عرفة، "تباشر الهيئة الهندسية عمليات البناء وهي شركة عسكرية خاضعة للجيش وأنشطة الشركات التابعة للجيش الاقتصادية جميعها، لا تخضع لأي رقابة محاسبية من أي نوع، وميزانيتها، خارج ميزانية الدولة كحال كل أنشطة الجيش الاقتصادية، كما أنه ليس لها سجل ضريبي، لأنها معفاة من الضرائب كحال كل أنشطة الجيش الاقتصادية، وغير معروف على وجه الدقة، الداخل والخارج، سواء مصروفات أو أرباح، لأنها لا تدفع تكاليف استهلاك المياه والكهرباء للحكومة (كحال كل أنشطة الجيش الاقتصادية) ، كما أن أرباحها، تذهب مباشرة لميزانية الجيش، وهي ميزانية سرية بالكامل، وبيتم اقرارها سنويا كرقم واحد (بدون تفاصيل) وخارج ميزانية الدولة، فهي لا تخضع لرقابة البرلمان، ولا الجهاز المركزي للمحاسبات، ولا أي رقابة، بخلاف الجيش نفسه..".
وأضافت أن العاملين فيها ليس لهم سجلات، فهم إما مجندون بالجيش، ويتم الحاقهم بمحطات البنزين إجباريا (عمال بالسُخرة) ويتقاضون ملاليم، أو ضباط من أصحاب الرتب العسكرية، وهؤلاء أيضا لا يخضعون للقواعد المتبعة في الأجور لكافة موظفي الدولة، ولا تؤخذ منهم ضرائب، كما أن مكافآتهم وبدلاتهم، يحددها الجيش ذاته لا لها علاقة بالمكسب ولا الخسارة.
الجنرالات يعارضون
وفي تقرير ل"موقع أفريقيا إنتلجنس الاستخباراتي الفرنسي" قال إن مصر تواجه صعوبة في خصخصة شركات حكومية بسبب معارضة جنرالات الجيش .
وأضاف أن رئيس حكومة السيسي، مصطفى مدبولي، يواجه صعوبات في الوفاء بوعوده التي قدمها بشأن خصخصة بعض الشركات، وقال الموقع إن مدبولي "يواجه صعوبات في الوفاء بمتطلبات المستثمرين المحتملين، وتخطي معارضة الجيش المصري للمشروع".
بحسب وثيقة سياسة ملكية الدولة المنشورة، في 9 فبراير 2023 يُنتظر أن تُطرح 32 شركة حكومية في البورصة أو تباع حصص منها للقطاع الخاص. ويملك جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، الذراع غير العسكرية لوزارة الدفاع، اثنين من هذه الشركات: الشركة الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبيعية "صافي"، والشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية "وطنية".
تُؤجَّل عملية الخصخصة بسبب السرية التي تحيط إدارة هاتين الشركتين، اللتين يحرص الجيش المصري على حمايتهما، لا يرغب جهاز مشروعات الخدمة الوطنية في الكشف عن أصول الأراضي التي تملكانها، لاسيما الأراضي التي تملكها شركة وطنية، ولا في إعطاء تفاصيل حول الأداء المالي لهذه الشركات.
10 شركات أخرى يملكها الجيش
في غضون ذلك، ينتظر المستثمرون تخفيضاً آخر في قيمة الجنيه المصري، وفقاً لمطالب صندوق النقد الدولي، الذي يقول إن هناك حاجة لإلغاء ضوابط أسعار الصرف لجذب الاستثمار إلى الشركات المملوكة للدولة.
صحيحٌ أن خصخصة شركتي وطنية وصافي تواجه الآن حالة جمود، لكن مدبولي أعلن، في أبريل 2023، أن هناك 10 شركات أخرى يسيطر عليها الجيش المصري تُجهَّز لطرحها في برنامج الطروحات الذي تسير عليه الدولة، أمام الاستثمار الخارجي، في غضون وقت قصير. ويحاول رئيس الوزراء أن يمنح برنامجه للإصلاح الاقتصادي مصداقية أكبر أمام الضغط الدولي المتزايد.