في الوقت الذي تغرق فيه مصر في أزمات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، اختار نظام المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي أن يرد على الغضب الشعبي بالطريقة الوحيدة التي يجيدها: المشانق. أحكام الإعدام تتوالى بوتيرة مفزعة، لتتحول ساحات القضاء إلى مسالخ سياسية يديرها قضاة وصفهم حقوقيون بـ“قضاة الدم”، وعلى رأسهم القاضي الراحل شعبان الشامي، والقاضي محمد شيرين فهمي، وآخرون ممن صاروا رموزًا للبطش القضائي.
269 حكمًا بالإعدام خلال 6 أشهر فقط من 2025، هذا ما كشفته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في تقريرها الصادم الذي وضع مصر في صدارة الدول الأكثر إصدارًا وتنفيذًا لعقوبة الإعدام عالميًا، لتنافس الصين وإيران والسعودية على هذه القائمة السوداء.
https://www.facebook.com/EIPR.org/posts/1206409281512916?ref=embed_post
أحكام بالجملة.. هل هي قضاء أم تصفية سياسية؟
بحسب التقرير، أصدرت المحاكم المصرية خلال النصف الأول من 2025 أحكامًا بالإعدام على 269 متهمًا في 194 قضية، وأحالت أوراق 197 آخرين للمفتي في 137 قضية، في خطوة تمهيدية للإعدام. 17 حكمًا أصبح نهائيًا لا يقبل الطعن، ما يعني قرب تنفيذها.
اللافت أن معظم هذه القضايا مرتبطة بتهم "الإرهاب" و"العنف السياسي"، وهي تهم طالما استُخدمت كذريعة لتصفية الخصوم والمعارضين بعد انقلاب 3 يوليو 2013.
منظمات حقوقية مصرية ودولية، بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، أكدت مرارًا أن هذه المحاكمات تفتقر لأدنى معايير العدالة، حيث تُبنى على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، ويُحاكم عشرات الأشخاص جماعيًا أمام قضاة معروفين بولائهم للنظام العسكري.
قضاة الدم.. الشامي، شيرين فهمي وآخرون
يشير مراقبون إلى الدور الكارثي الذي لعبه بعض القضاة في ترسيخ “ثقافة الإعدام الجماعي”، وعلى رأسهم:
القاضى الراحل شعبان الشامي: الذي أصدر أحكامًا بإعدام الرئيس الشهيد محمد مرسي وعدد من قيادات الإخوان في قضايا وصفتها منظمات حقوقية بـ"المسيسة بشكل فج".
محمد شيرين فهمي: الملقب بـ"قاضي المشانق" بسبب العدد المهول من أحكام الإعدام التي أصدرها في قضايا معروفة بضعف أدلتها واعتمادها على تقارير أمنية.
قضاة آخرون أضافوا عشرات الأسماء إلى قوائم الموت دون أن يرف لهم جفن.
أين مفتى الجمهورية ؟ لماذا يصمت عن الدماء؟
دور مفتي الجمهورية – المفترض أن يكون صوت ضمير الأمة – تحول إلى مجرد ختم مطاطي على أوامر الإعدام. فبينما يُحيل القضاء أوراق المتهمين للمفتي كإجراء شكلي، لم يُسجَّل أي حالة رفض أو مراجعة حقيقية لهذه الأحكام.
تساءل ناشطون:
هل يخشى المفتي الجديد مواجهة السلطة العسكرية؟
أم أن دار الإفتاء نفسها أصبحت جزءًا من ماكينة القمع السياسي؟
لماذا لا يعلن المفتي – ولو من باب التبرؤ – أنه يرفض المصادقة على دماء الأبرياء؟
مصر في قائمة العار الدولية
ليست هذه الأرقام معزولة عن السياق العالمي. على مدى السنوات الماضية، احتلت مصر مواقع متقدمة في قائمة الدول الأكثر تنفيذًا للإعدامات:
2020: المرتبة الثالثة عالميًا بعد الصين وإيران.
2021: المرتبة الثالثة مجددًا، بحسب منظمة العفو الدولية.
2024: 365 حكم إعدام على الأقل، لتحتل المرتبة الثانية عالميًا بعد الصين.
هذا التصعيد جعل مصر تواجه انتقادات لاذعة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمات دولية، وسط دعوات متكررة لفرض حظر فوري على الإعدامات.
لماذا كل هذا الدم؟ قراءة سياسية
يرى محللون أن التوسع في أحكام الإعدام ليس سوى وسيلة النظام لترهيب الشعب وإخماد أي حراك محتمل. فمع اتساع رقعة الغضب الشعبي بسبب الانهيار الاقتصادي، يبدو أن السيسي يراهن على "الخوف من المشانق" لإبقاء المصريين في حالة صمت.
لكن السؤال الأخطر:
إلى متى سيبقى المصريون صامتين أمام إرهاب الدولة بالقانون؟
وهل يدرك السيسي أن الإفراط في الدماء قد يتحول إلى شرارة جديدة لانفجار شعبي لا يمكن السيطرة عليه؟
نظام يستبيح الدماء
في النهاية، يبدو أن السيسي وقضاته حولوا مصر إلى جمهورية مشانق، حيث يعلو صوت المقصلة فوق كل صوت آخر. وبينما يغيب العدل عن قاعات المحاكم، يتساءل الشارع المصري: من القادم على منصة الإعدام؟