تعكس الأرقام الرسمية التي اعتمدها وزير التربية والتعليم بحكومة الانقلاب محمد عبد اللطيف، ملامح خطة أوسع من مجرد إعلان نسب النجاح. فارتفاع نسب النجاح الملحوظة في شعبة علمي علوم – التي بلغت 79.6% – لا يمكن فصله عن سياسة الدولة الرامية لتحويل خريجي الثانوية العامة إلى “زبائن مضمونين” للجامعات الأهلية والخاصة التي يهيمن عليها بزنس العسكر، حيث تصل المصروفات إلى أرقام فلكية مقارنة بالجامعات الحكومية شبه المجانية.
تفصيلاً، تقدم لامتحانات الدور الأول لشعبة علمي علوم 451,453 طالبا وطالبة، حضر منهم 417,260، ونجح 332,183 منهم. هذا الكم الهائل من الناجحين سيرفع حتماً سقف المنافسة على مقاعد كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان والعلاج الطبيعي، ليجد أصحاب المجموع الأقل أنفسهم مجبرين على التوجه نحو الجامعات الأهلية أو الخاصة ذات الرسوم الباهظة.
النتائج تكشف عن نمط واضح: النظام الجديد للثانوية العامة الذي “سلقه” الوزير الحالي بسرعة لافتة وخفّض المجموع الكلي من 410 إلى 320، أدى إلى تضخيم القيمة النسبية للفروق بين المجاميع، ما عزز شعور الطلاب وأولياء أمورهم بأن أي درجة ضائعة قد تقذف بأبنائهم خارج كليات القمة الحكومية إلى أحضان الجامعات الاستثمارية.
مؤامرة ضد طلاب الأدبي
الأمر لم يتوقف عند شعبة علمي علوم. ففي الشعبة الأدبية، جاءت النسب كارثية مقارنة بالعام الماضي، وهو ما يعكس إصرار الوزير على تدمير فرص الطلاب الأدبيين. إدخال مادة الرياضيات كمادة أساسية عليها 60 درجة كاملة، رغم أن أغلب طلاب الأدبي اختاروا هذه الشعبة هرباً من المواد العلمية، أدى إلى تراجع نسب النجاح. كما جرى إلغاء تأثير مواد أدبية مثل الفلسفة والمنطق واللغة الفرنسية على المجموع الكلي، رغم امتحان الطلاب فيها، مما جعل مجهودهم فيها بلا جدوى.
كل هذا يكشف عن خطة متعمدة لإزاحة أعداد كبيرة من طلاب الأدبي عن كليات القمة الإنسانية، وتحويلهم لاحقاً إلى زبائن للجامعات الأهلية والخاصة، خاصة في كليات مثل الإعلام واللغات التي أصبحت متاحة فقط لمن يدفع.
وزير "مزور" على خطى السيسي
الوزير محمد عبد اللطيف، المتهم بتزوير شهادة الدكتوراه بل وتثار شكوك حول حصوله أصلاً على مؤهل جامعي، يعيد إنتاج نهج النظام الحالي في إدارة التعليم كـ “بيزنس” وليس خدمة عامة. قراراته العشوائية، مثل تعديل نظام الثانوية العامة بعد بداية العام الدراسي، تكشف عن عقلية تهدف لإشغال أولياء الأمور والطلاب بمعارك فردية، بعيداً عن مواجهة سياسات التعليم المخصخص التي تسحق الفقراء ومتوسطي الدخل.
النتيجة الحتمية: استنزاف الأسر المصرية
مع هذا السيناريو، لن ينجو إلا القادرون مالياً. بينما الطلاب أصحاب المجموع الأقل – الذين كانوا يلتحقون سابقاً بكليات حكومية برسوم رمزية – سيكونون مجبرين على دفع مئات الآلاف من الجنيهات سنوياً في جامعات أهلية يديرها ضباط متقاعدون أو رجال أعمال مقربون من السلطة، في مشهد يعيد إنتاج نفس المنظومة الاقتصادية التي حولت الصحة والعلاج إلى تجارة.