قالت تقارير: إن "المشاركة في القوائم البرلمانية باتت تتطلب مساهمات مالية ضخمة تُدفع لصندوق "تحيا مصر"، إذ أشارت إلى أن المرشح في قائمة مجلس الشورى يسدد ما يقارب 30 مليون جنيه، بينما ترتفع القيمة إلى 70 مليون جنيه للمرشح ضمن قائمة مجلس النواب، في حين يدفع المُعيّنون نحو 50 مليون جنيه".
ونقلت منصة (زاوية 3) عن أكرم إسماعيل القيادي بحزب العيش والحرية أن “ارتفاع تكلفة الترشح يعكس حجم التواطؤ بين المال والسياسة”، كاشفًا أن مقعد القائمة البرلمانية وصل إلى ما يقرب من 70 مليون جنيه، قائلاً: “حاولت جمع هذا المبلغ من خلال مساهمات شخصية ولكن لم أتمكن من توفير أكثر من ألفي جنيه، في مشهد يعكس الاستبعاد الكامل لمن لا يملك المال من الترشح والمنافسة”.
الباحث هشام عارف، قال: إن "رجال المال وأصحاب النفوذ يتنافسون على اقتناص فرصة على رأس “القائمة الوطنية من أجل مصر” (مضمونة الفوز)، على حد وصف سياسيين، والتي تضم 13 حزبًا أغلبها من أحزاب الموالاة يقودها “مستقبل وطن”، بالإضافة لعدد محدود من أحزاب المعارضة مثل “الوفد” والمصري الديمقراطي” و”العدل” والتجمع".
تضاعف ودفع مسبق منذ 2015
وأضاف أن المال السياسي لم يكن غائبًا أبدًا عن غالبية الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في مصر خلال العقود الأربعة الماضية".
وأوضح أن "منذ عام 2015، ظهر شكل آخر لتوظيف المال مقابل (مقعد) البرلمان، يتمثل في دفع مسبق للدول مقابل الترشح ضمن قائمة مغلقة، ستفوز لا مُحالة، تضم كافة أحزاب الموالاة، وعدد محدود من المعارضين المألوفين كما يصفهم سياسيون، تحظى بدعم أمني وسياسي وإعلامي منقطع النظير، وغالبًا ما يقدم المرشحون خلالها أنفسهم باعتبارهم مرشحو الدولة".
وعن اضطراد المبالغ المستحقة، أشار إلى أنه قبل 10 سنوات من اليوم تحدثت تقارير عديدة عن دفع مبالغ كبيرة، وصلت إلى 10 ملايين جنيه، مقابل مقعد في دائرة انتخابية ما، أو حتى الحصول على دعم أو “ضوء أخضر” للترشح على المقاعد الفردية، واليوم وفي ضوء ترتيبات تجري على قدم وساق استعدادًا لانتخابات مجلس الشيوخ، ثم النواب، اتفق الجميع على توحش ظاهرة المال السياسي مؤخرًا، سواء ما يتم دفعه للسلطات مقابل الدفع بمرشحين، أو ما يتم إنفاقه فيما بعد ذلك على الدعاية أو الرشاوى الانتخابية.
ووثّقت منظمات حقوقية مصرية مثل مؤسسة حرية الفكر والتعبير والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية هذه الظاهرة في تقارير متعددة، أبرزها تقرير صدر عام 2020 أشار إلى “تجاوز سقف الإنفاق الانتخابي من قبل مرشحين بشكل واسع، عبر إنفاق مبالغ ضخمة على إعلانات تلفزيونية وإذاعية، وتنظيم حفلات جماهيرية، وتوزيع سلع غذائية ومالية في الدوائر الفقيرة” كما رصدت بعثات مراقبة الانتخابات مثل التحالف المصري لمراقبة الانتخابات ومرصد نزاهة الانتخابات تكرار تلك التجاوزات في انتخابات 2015 و2020، مع ضعف في آليات المحاسبة، رغم وجود نصوص قانونية تجرم شراء الأصوات. ويُشار إلى أن قانون مباشرة الحقوق السياسية ينص على حدود للإنفاق الانتخابي، لكن غياب الرقابة الفعالة ساهم في تحول المال السياسي إلى أداة حاسمة للفوز، خاصة في النظام الفردي الذي يعتمد على دوائر ضيقة يسهل فيها التأثير المالي والاجتماعي.
كواليس القوائم والفردي
وأكد التقرير أن "التوزيع داخل القوائم لا يتم وفق معايير الكفاءة فقط، بل يتم التوافق على الأسماء بناء على مساهماتهم المالية وعدد المقاعد المطلوب تمريرها" وأنه "إذا كانت هناك حاجة لستة نواب، على سبيل المثال لا يتم وضعهم جميعًا في قائمة واحدة، بل يُوزّعون على ثلاث قوائم لضمان نجاحهم جميعًا".
وأن التنسيق الدقيق يضمن أن كل قائمة تضم بين 2 إلى 3 من المرشحين الداعمين للسلطة، لتُظهر الصورة وكأن هناك تنوعًا بين معارضين ومؤيدين.
وعن الانتخابات الفردية، فإن المرحلة الأولى تشهد فوضى كبيرة لغياب التوافق بين المرشحين، مشيرة إلى أن كل مرشح يتصرف بشكل منفصل، ويعتمد على مندوبيه الذين يقفون خارج اللجان الانتخابية ويوزعون المال مقابل الصوت.
وأضاف التقرير أن المواطن يذهب إلى اللجنة، يُعطي صوته مقابل 100 جنيه، ثم يعود إلى مندوب المرشح ليؤكد له أنه صوّت، فيمنحه الأخير (كوبونًا) يصرف من خلاله كرتونة مواد غذائية ومبلغًا ماليًا إضافيًا..
وفي بعض القرى، يتفق نائبان معًا، ويوزعان الأموال بالتساوي، كل مندوب يقف أمام اللجنة ويتابع من صوّت لمن، ويتم صرف الهدايا على هذا الأساس، وتصل تكلفة الصوت الواحد في بعض الحالات إلى 250 جنيهًا شاملة المبلغ النقدي والكرتونة، وتُنسّق هذه العمليات من خلال أشخاص محددين مسؤولين عن كل 4 لجان انتخابية..
زيادة بين 60 و70%
وفي الدورات السابقة، شهدت الانتخابات الماضية شراء الأصوات بنفس الطريقة، وإن كانت الأسعار أقل”، وتكلفة القائمة فيها كانت 22 مليون جنيه فقط، والتعيين بـ15 مليون، لكنها ارتفعت بشكل كبير في الدورة الحالية، مستشهدة بحالة أحد النواب السابقين الذي توفي، قائلة: إنه "كان يوزع كميات ضخمة من المواد الغذائية والنقود، لكنه بالكاد حصل على 200 صوت في أفضل الدوائر، لأنه لم يكن مدعوم من بعض الجهات".
وأكد أن هذه الممارسات تتم بعلم واسع من الجهات كافة، وتُمارس بشكل واسع على مستوى الجمهورية، معتمدة على استغلال الفقراء عبر الكراتين والـ 100 جنيه وأن عددًا كبيرًا من المرشحين يخصصون ملايين لتوزيعها على شكل مساعدات في القرى والمراكز، ضمن تحالفات مالية أكثر منها سياسية.
بلا إشراف قضائي
واعتبرت "أحزاب" منها الديمقراطي المصري أن الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر، أول استحقاق تشريعي لا يخضع للإشراف القضائي الكامل منذ عقود، وذلك بسبب انتهاء المهلة الدستورية التي نصت على إلزامية الإشراف القضائي على الانتخابات لمدة 10 سنوات فقط من تاريخ العمل ب"دستور 2014." وبموجب المادة 210 من الدستور، كان يُشترط أن يُشرف أحد أعضاء الهيئات القضائية على كل صندوق انتخابي، ضمانًا لنزاهة العملية، إلا أن هذه المادة وضعت سقفًا زمنيًا لهذا الإشراف ينتهي في عام 2024، ما يعني أن أي انتخابات تُجرى بعد هذا التاريخ لن تكون خاضعة لهذا النوع من الرقابة القضائية المباشرة، ما يعزز، وفق مراقبون فرص استخدام المال السياسي وتجاوزات أخرى.
وأعلنت الحركة المدنية الديمقراطية، وهي تكتل يضم عددًا من الأحزاب الليبرالية واليسارية، مقاطعتها الكاملة لانتخابات مجلس الشيوخ، احتجاجًا على ما وصفته بـ انعدام ضمانات النزاهة، خاصة بعد إلغاء الإشراف القضائي الكامل على مجريات التصويت، فضلاً عن اعتماد نظام القائمة المغلقة المطلقة، الذي يؤدي إلى إهدار قرابة 49% من أصوات الناخبين، ويتيح لجهة واحدة الاستحواذ على جميع المقاعد إذا حصلت على (50% +1) من الأصوات، وهو ما اعتبرته الحركة تكريسًا للإقصاء السياسي وغلقًا للمجال العام.
وتنص مواد الدستور على ضرورة إجراء انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب قبل ستين يومًا من انتهاء مدة كل منهما. ووفقًا لهذا الإطار، من المقرر أن تُجرى انتخابات الشيوخ في أغسطس، تليها انتخابات مجلس النواب في نوفمبر، يتألف مجلس الشيوخ من 300 عضو، يُنتخب ثلثهم بنظام القوائم المغلقة، وثلث آخر بالنظام الفردي، فيما يعيّن رئيس الجمهورية الثلث المتبقي. ويُلزم القانون بتخصيص ما لا يقل عن 10% من المقاعد للنساء.
بلا ناخبين
وفي انتخابات الشيوخ المزمع إجراؤها الشهر المقبل، تخوض “القائمة الوطنية من أجل مصر” الانتخابات منفردة، دون أي قوائم منافسة في الدوائر الأربع المخصصة لنظام القوائم المغلقة، وفقًا لما أعلنته الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، بالتزامن مع غلق باب الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ بعد 6 أيام من تلقي طلبات المرشحين بنظام القوائم والفردي.
وفيما يتعلق بالمقاعد الفردية، البالغ عددها 100 مقعد، دفعت أحزاب مستقبل وطن، وحماة الوطن، والجبهة الوطنية مجتمعين بأكثر من 40 مرشحًا، فيما تقدم حزب الشعب الجمهوري بـ21 مرشحًا، وسجّل الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي حضورًا لافتًا بـ35 مرشحًا، بينما خاض حزب إرادة جيل المنافسة بـ33 مرشحًا، وحزب الاتحاد بـ30 مرشحًا، والأحرار بـ 28 مرشحًا، والتجمع بـ27 مرشحًا. كما شارك حزب الجيل بـ25 مرشحًا، والحرية بـ24، والعدل بـ19، والعربي الناصري بـ18، والمؤتمر بـ17، والمستقلين الجدد بـ15، والنور السلفي بـ12 مرشحًا، وحزب الوعي بـ11، في حين اكتفى حزب الوفد بتقديم 10 مرشحين فقط.
وبحسب التقرير بدأت تنظيم الانتخابات البرلمانية وفق نظام “القائمة المغلقة المطلقة”، منذ عام 2015، وتصر عليه حكومة السيسي وأحزاب الموالاة، وفقًا لهذا القانون تُقسم فيه البلاد إلى دوائر انتخابية يُخصص لكل منها عدد محدد من المقاعد تُملأ بقوائم حزبية أو ائتلافية مغلقة، بحيث يصوّت الناخب للقائمة ككل وليس لأفراد بعينهم داخلها.
وتُعد القائمة مغلقة “مطلقة” لأن الناخب لا يستطيع تغيير ترتيب الأسماء داخل القائمة أو اختيار مرشحين منها، كما أن الفوز يكون للقائمة التي تحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات (50% +1) لتحصد جميع مقاعد الدائرة، دون توزيع نسبي على باقي القوائم المتنافسة.
وبحسب التقرير، يطبق النظام، بعد إقرار القانون رقم 46 لسنة 2014 الخاص بمجلس النواب، والذي نص على تخصيص جزء من المقاعد (120 مقعدًا) لنظام القوائم المغلقة المطلقة، إلى جانب مقاعد أخرى يجري التنافس عليها بالنظام الفردي.
وتبرر أحزاب الموالاة الاعتماد على هذا النظام بهدف ضمان تمثيل بعض الفئات المُحددة دستوريًا مثل المرأة، والشباب، والمسيحيين، وذوي الإعاقة، والمصريين بالخارج، من خلال إدراجها بشكل إلزامي داخل القوائم، بما يضمن وجودهم في البرلمان. وقد استمر هذا النظام أيضًا في انتخابات 2020 بنفس الآلية، وفقا للتقرير..