الفزاعة التي تحوّلت إلى ورقة محروقة   ..لماذا يعيد السيسي تدوير “فزاعة الإرهاب” فى هذا التوقيت؟

- ‎فيتقارير

 

في مشهد يبدو مكرّراً بقدر ما هو مكشوف، عاد النظام المصري بقيادة المنقلب السفاح  عبد الفتاح السيسي إلى استخدام "فزاعة الإرهاب" و"شماعة الإخوان المسلمين" لتبرير سلسلة من الإجراءات القمعية وإعادة إنتاج خطاب التخويف والتعبئة الأمنية. هذا التوجه، الذي ظل ركناً أساسياً في استراتيجية السيسي منذ انقلاب 2013، يعاد الآن بعناوين قديمة ومحاولات درامية مستهلكة، لكن في ظرف سياسي واقتصادي واجتماعي مختلف تماماً، بل أكثر هشاشة.

 

حادث بولاق والعودة إلى سيناريو "الإخوان = الإرهاب"

حادث بولاق الدكرور، الذي أعلنت فيه الداخلية المصرية مقتل مواطنين اثنين اتُهما بالانتماء للإخوان والإعداد لمخطط إرهابي، لم يكن سوى شرارة جديدة في سياق متكرر، أثار فوراً شكوك المنظمات الحقوقية التي اعتادت التشكيك في الروايات الأمنية المصرية، ووصفتها بأنها توظيف سياسي فج لما يُسمى "الحرب على الإرهاب".

 

يتزامن هذا الحادث مع إعلان إنتاج جزء رابع من مسلسل "الاختيار"، في محاولة واضحة لفرض سردية أمنية محددة على الرأي العام، وإعادة تغذية الذاكرة الجماعية بخطر مصطنع تم تجاوزه منذ سنوات بحسب تصريح سابق للسيسي نفسه حين قال: "قضينا على الإرهاب بنسبة 100%" في يناير 2023.

 

لماذا الآن؟ رسائل الداخل والخارج

اللافت أن توقيت هذه العودة لـ"الفزاعة" يتزامن مع ضغوط متصاعدة داخل السجون المصرية، حيث يضرب عشرات المعتقلين السياسيين عن الطعام، وسط تزايد التعاطف الشعبي معهم، وخروج أصوات معارضة من مختلف التيارات تطالب بإنهاء حالة القمع والانغلاق السياسي. في المقابل، يحاول النظام تشويه هذا الحراك بربطه مجدداً بـ"الإرهاب"، في رسالة واضحة لتبرير القبضة الأمنية، وكبح أي مطالبات بالإصلاح أو الإفراج.

 

أما خارجياً، فيُقرأ المشهد كرسالة موجهة لأوروبا والخليج وواشنطن، بأن النظام لا يزال حائط الصد الأخير أمام ما يُصوره كـ"خطر إخواني"، وبالتالي فهو يستحق الدعم المالي والسياسي، حتى لو كان ذلك على حساب الحقوق والحريات. ويبدو أن هذه الرسالة موجهة أيضاً لصندوق النقد الدولي، في وقت تُمارس فيه ضغوط غير مسبوقة على الجيش المصري للخروج من الاقتصاد، وهو ما قد يستخدمه النظام ذريعة للتلكؤ والتنصل.

 

الفزاعة التي تحوّلت إلى ورقة محروقة

لكن إعادة تدوير هذا الخطاب لم تعد تحقق نفس الأثر. فالاتهامات المتكررة للإخوان بالإرهاب، بينما عشرات الآلاف منهم في السجون أو المنافي، باتت تفقد صداها أمام شعب يرزح تحت أعباء الفقر والبطالة وغلاء المعيشة وانهيار الخدمات. وفي حين يُطالب الشعب بحلول لأزماته اليومية، يرد النظام بتمثيليات إعلامية ومخططات وهمية لا تُقنع حتى مؤيديه.

 

المحلل السياسي أحمد عبد العزيز وصف المشهد بدقة حين قال إن "نظام السيسي يبحث في دفاتره القديمة كالتاجر المفلس". أما الكاتب أحمد حسن بكر فاعتبر أن "النظام فقد ظله، ولم يعد حتى يمتلك القدرة على الإقناع، ولا الإعلام الموالي له يحظى بأي مصداقية لدى الشارع".

 

صناعة العدو الوهمي كأداة استبداد

يقول الدكتور عمرو عادل، إن أي نظام استبدادي لا يمكنه الاستمرار دون صناعة عدو داخلي يبرر به القمع، وهذا ما يفعله النظام منذ عشر سنوات، مضيفاً أن النظام استنفد كل أدواته ولم يعد يمتلك أي مشروع سياسي أو اقتصادي، بل بات عبئاً على الداخل والخارج.

 

واعتبر أن "الاستمرار في استخدام نفس الأداة رغم تغير السياق هو قمة الحماقة"، كما حدث مع نظام مبارك في 2010، حين أصر على تزوير الانتخابات رغم الغليان الشعبي، فانفجر الوضع بعدها بشهور.

 

الواقع: لا إرهاب.. بل انفلات وفساد

في ظل هذا الخطاب المكرر، يعيش الشارع المصري حالة انفلات أخلاقي وقيمي وارتفاعاً مريعاً في معدلات الجريمة، في ظل انهيار اقتصادي وفساد إداري واسع، بينما تُسَخّر أدوات الدولة لترويج نظريات مؤامرة لا يُعلن عن تفاصيلها، ولا يُقدم فيها أي دليل.

 

من حريق مديرية أمن الإسماعيلية إلى طائرة زامبيا المليئة بالذهب إلى صفقات بيع أصول الدولة، مروراً بالتجاهل التام لكوارث الطرق والبنية التحتية… كل هذه الكوارث لا تجد تحليلاً أو محاسبة، بل تُلقى كعادتها على "شماعة الإخوان"، وكأن النظام يخشى مواجهة الحقيقة أكثر مما يخشى الإرهاب ذاته.

 

صناعة الخطر بدلاً من مواجهته

إعادة تفعيل "فزاعة الإرهاب" ليس سوى تكتيك مفضوح لتبرير الانغلاق السياسي، وتمديد عمر نظام مأزوم، غير قادر على تقديم أي حلول حقيقية. لكنه في المقابل يُخاطر بخسارة ما تبقى من مصداقية، في الداخل والخارج.

 

الرسالة التي يفهمها المواطن اليوم ليست أن هناك "خطر إرهابي"، بل أن النظام مفلس، خائف، ويبحث في أرشيفه عن عدو وهمي يصنع منه مبرراً للقمع، في وقت لم يعد فيه أحد يصدق المسرحية.