أوضاع حقوق الإنسان تعيش أوضاعا مزرية، وتسير من سيئ إلى أسوأ في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي، فالاعتقالات العشوائية والتعذيب في مراكز الاحتجاز وأقسام الشرطة والانتهاكات من قمع واستبداد وملاحقات ومداهمات وإخفاء قسري وحبس احتياطي وتدوير المعتقلين لا تتوقف من جانب حكومة الانقلاب، ورغم الانتقادات الدولية، ورغم المطالبات من مجالس حقوق الإنسان بوقف هذا الإجرام، إلا أن نظام السيسي لا يقيم وزنا للقوانين والمواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
كانت حكومة الانقلاب قد زعمت خلال جلسة المراجعة الدورية الشاملة لملف حقوق الإنسان في مصر، أنها لا تحتجز أي شخص بسبب آرائه السياسية، وأن جميع المحتجزين يُحاكمون وفقًا لإجراءات قانونية عادلة، مشددة على أن قانون مكافحة الإرهاب لا يُستخدم ضد الصحفيين أو المدافعين عن حقوق الإنسان، وفق تعبيرها.
كما نفت حكومة الانقلاب وجود حالات تعذيب داخل أماكن الاحتجاز، زاعمة أن هناك أجهزة رقابية مختصة تتابع مدى الالتزام بالقانون، وعلى رأسها المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي ادّعت أنه يتمتع بـ”استقلالية كاملة” ويملك صلاحيات تفتيش أماكن الاحتجاز دون حاجة إلى إذن مسبق بحسب قولها .
قوانين الإرهاب
في هذا السياق انتقدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تدهور الوضع الحقوقي وتصاعد الانتهاكات المنهجية داخل منظومة العدالة الجنائية، كالتعذيب والإخفاء القسري والمحاكمات غير العادلة وسوء أوضاع الاحتجاز.
وقالت المبادرة في بيان لها حتى المدافعين عن حقوق الإنسان يتم إساءة استخدام قوانين الإرهاب لمعاقبتهم، بجانب أزمة حقوق النساء والفتيات في مصر، وانتهاكات الحريات الرقمية وحرية التعبير والإعلام .
ووثقت في تقاريرها تصاعد القيود على الحقوق المدنية والسياسية، سواء من خلال التشريعات أو الممارسات الأمنية والإدارية، مؤكدة استمرار العمل بمنظومة قانونية تُقيد الحريات، مثل قانون تنظيم التظاهر الذي حوّل الحق في الاحتجاج السلمي إلى ممارسة محظورة فعليًا، وقانوني مكافحة الإرهاب والجريمة الإلكترونية، اللذين يُستخدمان لتجريم حرية التعبير وملاحقة المعارضين والصحفيين والنشطاء.
وأشارت المبادرة إلى التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي كأداة عقابية، وتوظيف ما يُعرف بـ”التدوير” – أي إعادة حبس المتهمين على ذمة قضايا جديدة أثناء حبسهم الاحتياطي، لضمان استمرار احتجازهم خارج إطار القانون.
اعتقالات تعسفية
وقالت بسمة مصطفى، مديرة البرامج في مؤسسة دعم القانون والديمقراطية، ادعاء سلطات الانقلاب أن سجونها ها خالية من السجناء السياسيين، وأن قانون الإرهاب لا يُستخدم ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، يتناقض كليًا مع الواقع الموثّق على الأرض.
وأكدت بسمة مصطفى في تصريحات صحفية أن ما ترصده المؤسسة بشكل دوري يكشف عن نمط ممنهج من الاعتقالات التعسفية، والحبس الاحتياطي المطوّل، وإعادة تدوير القضايا، لا سيما فيما يتعلق بالصحفيين والحقوقيين وأصحاب الرأي المستقل.
وأشارت إلى أن الكثيرين من هؤلاء يُحتجزون استنادًا إلى قرارات قضائية مسيّسة، وبتهم فضفاضة مثل: “نشر أخبار كاذبة”، “الانضمام إلى جماعة إرهابية”، وهي تُستخدم، كأدوات متكررة لقمع حرية التعبير، وغالبًا ما تُبنى على تحقيقات أمنية تفتقر إلى الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة.
وكشفت بسمة مصطفى عن عدد كبير من المعتقلين البارزين الذين يمثلون نماذج لهذه الانتهاكات، بالإضافة إلى عشرات الأصوات الأخرى، ممن حاولوا التعبير عن آرائهم أو ممارسة مهنتهم بشكل سلمي.
وأضافت: رفض حكومة الانقلاب لـ62 توصية خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل، خاصة تلك المتعلقة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووقف محاكمات الرأي، وإلغاء القوانين القمعية، يكشف غيابًا واضحًا في الإرادة السياسية للإصلاح، بل ويُظهر سعي دولة العسكر لتحويل آليات الأمم المتحدة إلى مجرد واجهة تجميلية، دون التزام فعلي بحقوق الإنسان.
وحذّرت بسمة مصطفى من اتساع نطاق الانتهاكات ليشمل المصريين في الخارج، فيما وصفته بـ”القمع العابر للحدود”، مؤكدة إن مؤسستها وثّقت نمطًا متزايدًا من الممارسات التي تستهدف المعارضين والمنفيين بالخارج، وتشمل، الاعتداء الجسدي والتهديد، حملات التشويه الإعلامي، الملاحقات القضائية، الضغط على أسرهم داخل مصر، بما في ذلك حرمانهم من الوثائق الرسمية والخدمات القنصلية.
وأكدت أن هناك عددا من الحالات، لجأت سلطات الانقلاب إلى قانون الإرهاب لإدراج معارضين في الخارج على قوائم الإرهاب، في محاولة لإسكاتهم وملاحقتهم حتى خارج الحدود.
الاختفاء القسري
وقال المحامي الحقوقي حليم حنيش، استشاري بمنصة اللاجئين: إن "إنكار حكومة الانقلاب المستمر لوقوع انتهاكات، ليس مفاجئًا، فهو موقف معتاد، لكنّ اللافت كان موافقة حكومة الانقلاب على التوصية الخاصة بالانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وهو ما يُعد تطورًا مفاجئًا، خصوصًا أن مؤسسات حقوقية عدة طالبت بهذا الانضمام منذ سنوات، من بينها حملة “أوقفوا الاختفاء القسري” التي دأبت منذ تأسيسها على مطالبة دولة العسكر بالتصديق على الاتفاقية".
وأضاف حنيش في تصريحات صحفية : الانضمام إلى هذه الاتفاقية من شأنه أن يفرض قيودًا قانونية على الممارسات المرتبطة بجريمة الاختفاء القسري، ويشكّل اعترافًا رسميًا للمرة الأولى بهذه الجريمة وفقًا لتعريفها في القانون الدولي، وهو ما كانت دولة العسكر ترفض الإقرار به سابقًا.
وأكد أن التعذيب لا يزال قائمًا، مؤكدا وقوع عدة حوادث تعذيب ووفاة داخل أقسام الشرطة خلال السنوات الماضية، دون أن نشهد محاسبة فعلية أو فصلًا لأي من الضباط المتورطين، بل على العكس، هناك تستّر دائم من وزارة داخلية الانقلاب ومحاولات لاحتواء القضايا دون شفافية أو عدالة.
وأشار حنيش الى أنه رغم ما تدّعيه دولة العسكر من عدم وجود معتقلين سياسيين، إلا أن الواقع اليومي يناقض ذلك بشكل صارخ. فعلى مدار الأشهر الماضية، وخلال متابعتي الدقيقة لهذا الملف، تم رصد ما يقرب من 20 إلى 25 حالة توقيف على الأقل لأشخاص لم يُنسب إليهم سوى التعبير عن آرائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة في البلاد.
وأكد أن نيابة أمن دولة العسكر، وهي الجهة المختصة بالتحقيق في القضايا ذات الطابع السياسي، لا تزال تُعرض عليها يوميًا قضايا جديدة. أما الاتهامات، فهي النمط ذاته المتكرر: “الانضمام إلى جماعة محظورة”، و”نشر أخبار كاذبة”، وهما تهمتان فضفاضتان تُستخدمان على نطاق واسع لتقييد حرية التعبير.
مسكنات شكلية
وشدد حنيش على أن الأزمة السياسية المرتبطة بالاعتقال على خلفية الرأي لا يمكن حلها عبر لجان العفو أو فحص أوراق السجناء، فكل هذه الخطوات ليست سوى مسكنات شكلية لا تمس جوهر المشكلة موضحا أن الحل الحقيقي يبدأ بتغيير السياسات الأمنية والتشريعية التي تُنتج هذا الواقع.
ولفت إلى أنه منذ إعادة تفعيل ما يسمى بلجنة العفو الرئاسي، خرجت بعض القوائم بالفعل، لكن ما رُصد من حالات اعتقال جديدة خلال نفس الفترة يفوق بثلاثة أضعاف عدد المُفرج عنهم. مؤكدا أن هذه اللجنة، بدلًا من أن تكون مدخلًا جادًا للإفراج عن السجناء، تسببت في إبطاء وتيرة إخلاءات السبيل المعتادة، إذ تراجعت قرارات النيابة بإخلاء السبيل بشكل ملحوظ، لتحل محلها “قوائم العفو”، التي سرعان ما اختفت هي الأخرى تدريجيًا.
وقال حنيش : "نحن لا نحتاج فقط إلى لجان ولا حتى إلى تغييرات شكلية في القوانين، ما نحتاجه هو تحول حقيقي في السياسات، يعترف بأن حرية التعبير ليست جريمة، وأن معالجة الانسداد السياسي لا تتم بالإنكار، بل بإرادة جادة للإصلاح".