في خطوة مثيرة للتساؤلات، جاءت بعد ساعات من لقاء جمع المنقلب عبد الفتاح السيسي بوزير داخليته محمود توفيق، أُقيل مساعدَ وزير الداخلية لقطاع الأمن الوطني اللواء عادل جعفر، بشكل مفاجئ، وتم استبداله باللواء إيهاب حسن عبد العزيز، المعروف داخل الأجهزة الأمنية بقبضته الحديدية وتاريخه في ملاحقة المعارضين السياسيين.
التغيير المفاجئ في قيادة أخطر جهاز أمني بمصر جاء تزامناً مع تصاعد حملة اعتقالات تستهدف متضامنين مصريين مع قطاع غزة، ومشاركة لافتة لمؤسسات حقوقية في توثيق الانتهاكات بحق نشطاء حاولوا جمع مساعدات إنسانية أو دعوا لفتح معبر رفح المحاصر.
فيديو الاقتحام.. صفعة للنظام أم مسرحية أمنية؟
وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب سارعت إلى نفي صحة فيديو متداول، قيل إنه يوثق اقتحام شابين لمكتب جهاز الأمن الوطني داخل قسم شرطة المعصرة بحلوان، واحتجاز عدد من ضباطه لعدة ساعات، في خطوة رمزية احتجاجاً على إغلاق معبر رفح.
الداخلية وصفت الفيديو بـ"الفبركة الإعلامية"، واتهمت جهات محسوبة على جماعة الإخوان بإنتاجه. لكن منظمات حقوقية، على رأسها "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، أكدت صحة الفيديو، وذكرت أن الشابين هما محسن محمد مصطفى (معتقل سياسي سابق) وابن خاله أحمد الشريف، وقد سلما نفسيهما طواعية بعد إنهاء ما وصفوه بـ"العملية الرمزية" للفت الانتباه إلى مأساة غزة وقمع المتضامنين معها داخل مصر.
من "غزة" إلى المعتقل.. السيسي يحاصر التضامن
مقاطع الفيديو والصور المصاحبة، والتي نُشرت على قناة "طوفان الأمة"، تضمنت مشاهد من داخل المكتب الأمني، إلى جانب وثائق يُزعم أنها مُسرّبة من جهاز الأمن الوطني، تكشف أسماء مواطنين قيد المتابعة أو الاعتقال، بينهم متهمون في قضايا سياسية شهيرة مثل "كتائب حلوان"، وأشخاص وردت أسماؤهم في بلاغات عن اختفاء قسري.
عدد من النشطاء وصفوا الواقعة بأنها إحراج غير مسبوق لجهاز الأمن الوطني، الذي طالما تباهى بسطوته في قمع المعارضين، ليفاجأ المصريون بما بدا وكأنه اختراق رمزي داخل أحد معاقله.
تعليقات نشطاء: "رأس الأمن الوطني قُطعت لتغطية الفشل"
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تداول نشطاء أنباء إقالة رئيس قطاع الأمن الوطني على نطاق واسع، واعتبروها "قرابين يقدمها السيسي للتغطية على اختراق أمني مهين".
الناشط الحقوقي أحمد غربية كتب:
"تمت التضحية برئيس قطاع الأمن الوطني لإغلاق الملف سريعاً. النظام يخشى أن يتطور الحدث إلى موجة احتجاجات، خاصة مع غضب شعبي واسع من حصار غزة."
فيما علّقت الناشطة منى سيف:
"هل يخاف النظام من متضامنَين يحملان تونة وشعارات أكثر مما يخاف من إسرائيل؟! إقالة رئيس الأمن الوطني هي رسالة: كل من يُظهر تعاطفاً مع غزة عدو للدولة."
أما المحامي الحقوقي خالد علي، فاعتبر أن الواقعة تعكس خللاً داخلياً لا يمكن للنظام إنكاره:
"سواء كانت فبركة أم حقيقية، فالحقيقة الثابتة أن هناك غضباً متصاعداً في الشارع المصري تجاه الحصار المفروض على غزة، وأن آلة القمع باتت عاجزة عن إخفاء هذا الغضب."
ارتباك واضح
تزامن لقاء السيسي بوزير الداخلية، مع إقالة رئيس "الأمن الوطني"، والتصعيد ضد نشطاء غزة، يعكس ارتباكاً واضحاً داخل النظام، الذي يخشى من انفجار الغضب الشعبي، ويحاول استباقه بمزيد من البطش، والتضحية ببعض رموزه لامتصاص موجة الغضب المتنامية.