اعتادت حكومة الانقلاب والمسؤلون فيها استغلال فروق الأسعار في السلع والخدمات بين مصر ودول العالم للإيحاء بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وأن الدعم يصل لمستحقيه وأن استمرار الدعم لا يلفت نظر المواطن إلى قيمة زجاجة المياه ثمنها في مصر وثمنها في الخارج كما سعر لتر البنزين والسولار، ومن ذلك ما قاله وزير الزراعة بحكومة الانقلاب علاء فاروق الذي قال: "طول ما فيه دعم الفرد مستسهل الموضوع، إزازة المياه بره مصر بكام وفي مصر بكام؟ لتر البنزين عالميًا بكام ومصر بتديه النهارده بكام؟ لازم نكون حريصين على بلدنا" وعلى حد إشارات المراقبين فإن "فاروق" ومسؤولين آخرين اعتادوا "إجراء هذه المقارنة المضللة" بحسب منصات التفنيد.
منصة "متصدقش" قالت: إن " مقارنة أسعار السلع عالميًا بمصر مضلل، لأنه لا يراعي فرق الدخل بين مصر وغيرها من دول العالم. كما أن تقديم الدعم المادي أو السلعي للمواطنين سياسة معتمدة في العديد من الدول حول العالم وليس مصر وحدها. ".
وأضافت أنه " على سبيل المثال، يبلغ الحد الأدنى للأجور في مصر 7 آلاف جنيه شهريًا، وهو ما يكفي لشراء نحو 444 لتر بنزين 80 (أرخص أنواع البنزين)، في حين يبلغ الحد الأدنى للأجور في هولندا، ثالث أعلى دولة في سعر البنزين بالعالم، 2304 يورو (14.4 يورو/ ساعة * 40 ساعة أسبوعيًا)، ما يكفي لشراء 1211 لتر بنزين".
ومن جانب ألمانيا أشارت إلى أن "الحد الأدنى للأجور يبلغ نحو 2000 يورو شهريًا (12.4 يورو/ ساعة * 40 ساعة أسبوعيًا)، وهو ما يكفي لشراء 1197 لتر من البنزين الذي يبلغ متوسط سعره اليوم 1.67 يورو للتر".
وفي السعودية، لفتت إلى أن أسعار المياه، على سبيل المثال، يشتري الحد الأدنى للأجور للسعوديين (4000 ريال) 2500 زجاجة سعة الواحدة 1.5 لتر (بسعر 19 ريال للعبوة 12 زجاجة قبل الخصم)، بينما في مصر يشتري الحد الأدنى للأجور 525 زجاجة بنفس الحجم من نفس ماركة المياه (بسعر 160 جنيهًا للعبوة 12 زجاجة).
وأضافت أن في ألمانيا يشتري الحد الأدنى للأجور نحو 2200 زجاجة بسعة 1.5 لتر.
وأكدت المنصة أن مصر ليست منفردة في تقديم الدعم للمواطنين، حيث "لا يزال الدعم العيني مُطبقًا في العديد من الدول حول العالم، مثل تونس والجزائر والمغرب والهند، فيما تقدم دولًا أخرى مثل ألمانيا وفرنسا دعمًا نقديًا لمواطنيها العاطلين عن العمل أو الذين لا يكفيهم دخلهم وهو ما لا يتوفر في مصر بالدرجة ذاتها وعلى مستويات محدودة في مصر بعكس الدول الأوروبية السالفة.
التضخم وأزمة العملة في مصر
ودفعت الاضطرابات الاقتصادية معدل التضخم إلى قرابة 38% في منتصف 2023، مع تضخم غذائي تجاوز 68%. بسياق تدهور الجنيه، وتقييد الواردات، والاعتماد على الدعم الاقتصادي من صندوق النقد الدولي وغيره.
في يونيو 2025، انخفض التضخم إلى نحو 16.2٪ لكنه ما زال يؤثر على الأسعار ويضغط على القدرة الشرائية للمواطنين، بحسب "رويترز".
ووفق مؤشرات جودة الحياة والدخل، فإن متوسط دخول المصريين لا يكفي تغطية تكاليف المعيشة الأساسية حتى دون الإيجار، وهي مشكلة مستمرة منذ سنوات، خاصة مع ضعف الجنيه وارتفاع التضخم، بحسب مؤشر "نومبيو" Numbeo.
وقال ناشطون: "رغم أن مصر تبدو رخيصة مقارنة بالدول الغربية، إلا أن الفرق في مستوى ونمط الحياة يُقلّص الفارق فعليًا: المنتجات المستوردة أو الإلكترونية قد تكون أغلى في مصر من الخارج".
ولا شكك أن مصر أرخص في الأرقام المطلقة (دون الحديث عن الحد الأدنى للأجور والقدرة الشرائية) بوضوح في معظم القطاعات مثل الطعام، السكن، الوقود، والخدمات مقارنة بالدول المتقدمة.
يشير المراقبون إلى أمرين مهمين يقللان من ميزة الأرخص وهما؛ معايير الجودة ومتانة المنتجات وبعض الخدمات المستوردة قد تزيد من التكلفة الفعلية للمستهلك المصري، وأن انخفاض الأسعار، لا يتفق والدخل المتوسط للأفراد الذي لا يغطي بشكل كافٍ تكاليف المعيشة الأساسية في العديد من الحالات.
وبحسب تقارير دولية فإن الدخل في مصر أقل بكثير من متوسط دخل الدول المُقارنة، مما يقلص قدرتها الشرائية رغم أن الأسعار منخفضة، من ذلك البنك الدولي وصندوق النقد بحسب بيانات IMF، فإن الناتج المحلي للفرد (GDP per capita) في مصر يراوح بين 3,200–4,300 دولار سنويًا، بينما في أوروبا أو أمريكا يتعدى 40 ألف دولار أو أكثر.
ويعتبر اقتصاديون أن المقارنة في أسعار السلع والخدمات دون احتساب الدخل أو القدرة الشرائية تصبح منحازة لتحسين صورة البلد فقط، وأنه من الدقة الإعلامية والاقتصادية الأخذ بعين الاعتبار الـقدرة الشراء، وليس الأسعار المطلقة فقط.
ولفت إلى المنة والمعايرة بالدعم غير لائق لاسيما وان معظم الدول المتقدمة (أوروبا، النرويج، دول الخليج) توفر دعمًا حكوميًا مباشراً أو معونة نقدية للفئات الضعيفة وبحجم يحرج كثيرا حكومة السيسي والنظام القائم في البلاد.
ووفقًا لـOECD، فإن متوسط الإنفاق على الرفاه في دول مثل ألمانيا وفرنسا يتجاوز 25% من إجمالي الناتج المحلي، وفي آسيا مثل الهند وسريلانكا، الدولة تقدم تحويلات نقدية مباشرة ودعمًا للمواد الأساسية (التموين، الوقود…).
وفي مصر، الإنفاق على الدعم الغذائي والكهرباء والصيانة الاجتماعية وصل إلى 13% من الناتج المحلي عام 2023–2024، بحسب بلومبرج . كما تشير تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى أن 80٪ من الدعم في مصر يستفيد منه الأغنى، بينما الفقراء لا يحصلون إلا على 20٪.