المشهد الإنساني المؤثر، الذي جسدته سيدة مُسنّة لمحافظ القاهرة خلال افتتاح سوق اليوم الواحد بمنطقة الجمالية، وقالت له: "أبوس إيدك نفسي في لحمة"، وبغض النظر عن تلبية المحافظ طلبها واستغلال ذلك في الدعاية عبر المواقع المحلية ومنصات التواصل هو كاشف أن حق الطعام في مصر أصبح رفاهية، لا يستطيعه ما لا يقل عن 60% من الشعب المصري (تحت خط الفقر) بحسب تقارير حديثة للبنك الدولي.
وبعثت السيدة برسالة رمزية لسؤال "مين بيأكل لحمة؟" التي لم تعد دعابة شعبية كما كان، بل أصبح مرآة حقيقية لحجم الفجوة بين الطبقات، ولسؤال أعمق هل الغذاء حق أم رفاهية؟
وبلغت مستويات الأسعار (حتى منتصف 2025 تقريبًا) لسعر اللحم البلدي : ما بين 400 و500 جنيه للكيلو، وسعر اللحم المجمد المستورد: يتراوح بين 180 إلى 250 جنيها.
وخلال السنوات العجاف للانقلاب، تحوّل سؤال "من يأكل اللحم؟" في مصر من كونه استفسارًا عن الذوق أو العادة، إلى سؤال عن القدرة الاقتصادية و"الترف" الاجتماعي، وحديثه بلحة عبدالفتاح المكسيكي الشهير "لو خيرتم يا مصريين بين الجوع وبناء البلد، أوعى تقولوا لا، نجوع ونبني بلدنا".
ومع الارتفاع الحاد في أسعار اللحوم – سواء المحلية أو المستوردة – أصبح أكل اللحم (خاصة الأحمر) حكرًا على شرائح اجتماعية محدودة، بينما خرج من قائمة الاستهلاك اليومي أو الأسبوعي لغالبية الطبقة المتوسطة وما دونها.
وبعيدا عن الفئة القليلة جدا ممن يتمرمغون في اللحم، ما زالت الطبقة المتوسطة تشتري اللحم ولكن بكميات محدودة، وتقتصر غالبًا على المناسبات أو مرة إلى مرتين في الشهر في حال اللحم المحلي البلدي ونهاية الأسبوع حال اللحم المستورد.
أما الطبقة المتوسطة المتمثلة في الفئات الشعبية فأصبح استهلاكهم للحوم موسمياً (عيد الأضحى – المناسبات – مساعدات رمضان)، ويعتمدون أكثر على؛ الفول والعدس والجبن، والفراخ المجمدة (وهي أيضًا ارتفعت بشدة)، والكوارع، والكبدة المستوردة، أو بواقي المذبوحات وأرجل وأجنحة الدجاج.
ما شهدته محافظة القاهرة شهدته محافظات كثيرة مبادرات "اللحوم بالتقسيط" أو "اللحوم المدعمة" من الدولة أو مؤسسات أهلية إلا أنه رغم ذلك تحوّل كثير من الناس إلى شراء كميات صغيرة جدًا (ربع كيلو أو أقل)، أو استبدال اللحم ببروتينات نباتية أو الاكتفاء باللنشون كشكل لحمي.
سخر أحدهم من الموقف فقال: " المحافظ وفر للحاجة كيلو لحمة طب خليهم اتنين ما علينا يعني دلوقتي كل واحد عاوز يأكل لحمة يجري وراء المحافظ"!
وقال رأفت علي (Refaat Aly):
"على شفا مجاعة، الشدة المستنصرية تلوح في الأفق، سيدة مُسنّة لمحافظ القاهرة : أبوس إيدك ورجلك نفسي آكل لحمة، المحافظ يهبها كيلو لحم".
وأضاف مصطفى عادل (Moustapha Adel )،
"لما تكون مسنه توقف محافظ تقوله نفسي في لحمة، دي مش حاجة تتحط مانشيت، ده للأسف واجب عليك كمحافظ ووزراء واحنا كمواطنين واجب علينا كلنا مش نجيبلها كيلو لحمة ونعمل عليها تصريحات، إحنا واجب علينا نشيلها فوق رأسنا، ونتكسف نحط صورتها ونخجل نقول إني قابلت ست طلبت لحمة، أمال لو كانت طلبت شقة أوضة وصالة تعيش فيها ولا معاش ولا كشك ولا حتى علاج ".
وأضاف، "عيب عليكم … ده مش إنجاز .. دي مصيبة نخجل منها ونخبيها .. يا سيادة رئيس مجلس الوزراء اللي زعلت من اللي بينتقدوا عشان تشويه صورة مصر .. ماذا عن محافظ عاصمة مصر اللي بدل ما يكرمها .. اخجل مصر كلها .. صوت وصورة وتصريحات كأنها أعظم إنجازات الدولة.
عيب علينا كلنا، عيب لما إمبارح نبيع شقة أوضه وصالة ب 32 مليونا وكيس الشيبسي في سوبرماركت في الساحل بـ 485 ولا فنجان قهوة في أقل كافية فوق 200, جنيه .. ونقف نتصور مع ست عجوز تجاوزت الثمانين عشان نفسها في، خجلوا عشان ده عار علينا مش حاجة نفرح بيها ".
وعلق ياسر شلبي (Yasser Shalaby):
"المفروض نفهم الإهانة اللي بيتفرج عليها العالم كله و رايحين تصوروها بخيبتكم دي إزاي؟ أنتم بتنهبوا الشعب و تفقروه و تمرضوه و تطلعوا تتمنظروا بأنكم بترموله الفتات من اللي سرقتوه منهم ..!؟.. و هو بجد اللي ناقص الست دي و الشعب دا هو فعلا حتة اللحمة دي يا ولاد الـws &..!؟
https://www.facebook.com/yaser.shlby.7/videos/1038302198475865/
وكتبت أماني ويصا (Amani A Wissa)،
"وبتتصوروا وفرحانين قوي باللي حاصل 😡😡😡 .. مفيش إحساس ولا دم أبدا؟ غباء ده ولا استقواء ولا تجبر ولا إيه؟ .. المصريين اللي بلدهم كانت مشهورة بالتكايا للغريب العابر يدخل يرتاح ويأكل ببلاش من كتر الخير اللي فيها أصبح شعبها يتسول قطعة لحم. 😡😡😡 .. يارب أنت قلت "لي النقمة أنا أجازي" وإحنا منتظرين نشوف جزاء هؤلاء المجرمين اللي خربوا البلد وجعلها من الشعب الكريم الشبعان المضياف شعب من المعوزين والجوعي والمتسولين، يارب كفاية بجد كفاااااية كده، لا ورايح يجيب لها "كيلو" لحمة النتن المعفن".
https://www.facebook.com/yaser.shlby.7/videos/1038302198475865/
صرخة ملايين المصريين
وعن رمزية الرسالة قال (عاطف فتحي): "الست اللي قالت "نفسي في حتة لحمة" وباست إيد المحافظ، كانت بتصرخ باسم ملايين في مصر ماعندهمش صوت، لكن عندهم كرامة بتكسرهم الجوع قبل ما تكسرهم الظروف، اللي صوّر الفيديو ده، لو كان ناوي يعمل دعاية للمسؤول، يبقى أساء للراجل من حيث لا يدري، لأن الكاميرا فضحت حالنا مش لمعت صورته.".
وأشار إلى أنه "إن كان المشهد حقيقي وعفوي، فهنا المصيبة أكبر، لإنه معناه إن الناس بقت تستجدي أقل حقوقها، ودي مش صدقة، دي حياة كريمة المفروض تكون واجب على الدولة مش منّة من حد، نقولها للمسؤولين كلهم، من أصغر كرسي لأكبر مكتب: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".
ورأى أنه "مش كل صوت ساكت معناها إنه شبعان، في ناس كتير محتاجة لكن بتتعفف، ولازم اللي فوق يحس قبل ما الزمن يدوس على الكل.. الناس مش عايزة شو إعلامي، الناس عايزة أكل بكرامة، علاج باحترام، سكن بآدمية.. أفيقوا.. قبل ما ييجي يوم لا ينفع فيه لا فيديو ولا مؤتمر.".
https://www.facebook.com/yaser.shlby.7/videos/1038302198475865/
الخلاصة بحسب الناشط السفير السابق محمد مرسي (Amb Mohamed Morsy) اعبر أن ما "ذكرت صحيفة الأيام المصرية أن محافظ القاهرة يُلبي رغبة مسنة ويمنحها كيلو لحمة خلال افتتاح سوق اليوم الواحد بالجمالية، خبر حزين يُبكي ويؤسف ويكسف.".