في خطوة تثير الكثير من علامات الاستفهام، يواصل المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي تجاهل التصديق على حزمة قوانين مصيرية أقرتها بالفعل أغلبية مجلس النواب، وعلى رأسها قانون الإيجارات القديمة الذي يمسّ ملايين المصريين من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة. هذا التأخير، رغم مرور ما يقارب 3 أشهر على إقرار القانون، يضع المصريين أمام حالة غريبة من "اللايقين القانوني" ويعكس ـ في نظر كثيرين ـ ممارسات متعمدة من السيسي تهدف إلى خنق ما تبقى من استقرار اجتماعي.
التساؤل المطروح اليوم في أوساط قانونية وسياسية وحتى شعبية: لماذا يتأخر السيسي عن إصدار قوانين أعدتها حكومته وتبنتها أغلبيته البرلمانية؟ هل هو تردد؟ أم أنه نوع من التلاعب المقصود بتوقيت الصدمات، كما فعل سابقًا مع رفع الأسعار وتحرير الجنيه؟ أم أن هناك بعدًا أعمق من ذلك كله: رغبة في الانتقام من المصريين؟
الانتظار القاتل: لا قوانين ولا وضوح
تأخر إصدار قوانين مثل "الإيجارات القديمة" و"التعليم" و"الإجراءات الجنائية" خلق ارتباكًا قانونيًا حقيقيًا. فالقانون الخاص بالإيجارات بات من المفترض أن يسري وفقًا لحكم المحكمة الدستورية العليا، الذي نص على بدء العمل به فور فضّ البرلمان، أي في 9 يوليو الحالي، لكن غياب تصديق الرئيس عطل التنفيذ، ووضع المواطنين والحكومة في مهبّ الغموض.
ورغم تأكيدات مسئولي البرلمان أن القوانين أُحيلت بالفعل إلى مؤسسة الرئاسة، فإن السيسي لا يزال صامتًا. والغريب أن هذه التشريعات صيغت تحت إشراف مباشر من حكومته، وبالتنسيق مع حزب "مستقبل وطن" الموالي له، ما ينفي وجود خلاف حول مضمونها. فهل التأخير مجرد عبث بيروقراطي؟ أم هو تعبير عن سياسة ممنهجة تقوم على تأزيم الواقع المعيشي للمصريين؟
هل يكره السيسي الشعب المصري؟
السيسي لا يخاطب المصريين إلا بنداءات جافة مثل "يا مصريين"، ويتعامل معهم بمنطق الوصيّ، لا الشريك، وقد رفع أسعار الكهرباء والوقود والمياه والضرائب والخدمات أكثر من 10 أضعاف خلال سنوات حكمه، وترك الجنيه المصري يتهاوى إلى ما يشبه "الحصيص"، كما وصفه البعض، في إشارة إلى انعدام قيمته الشرائية.
الآن، يعيد الكرة عبر قانون الإيجارات القديمة، الذي يهدد ملايين الأسر بالإخلاء أو رفع القيمة الإيجارية فجأة، في ظل أزمة سكنية خانقة، وسوق عقاري مسعور. ويطرح البعض سؤالًا مشروعًا: هل هناك نية مبيتة لتفجير أزمات اجتماعية جديدة؟ ولماذا يتلذذ النظام بالضغط على الفقراء؟
ثغرات مقصودة.. وتلاعب بالتوقيت
وفق الدستور، على رئيس الجمهورية التصديق على القوانين خلال 30 يومًا من استلامها، وإلا تُعتبر نافذة بحكم الدستور. لكن الواقع يكشف عن "ثغرة دستورية" تُستغل لتأجيل إحالة القوانين نفسها من البرلمان إلى الرئاسة، وهو ما يتيح للرئيس المراوغة دون مساءلة.
الخبير القانوني صالح الجبالي وصف هذه الثغرة بأنها وسيلة مقصودة لتجميد القوانين، وقال: "عدم تحديد مهلة لإحالة القوانين من البرلمان إلى الرئيس يفتح الباب أمام نوايا غير معلنة، ويزيد من أزمة الثقة في التشريع".
شبه الدولة تعيش في فراغ تشريعي
وسط كل هذا، يعيش المصريون في ظل فراغ تشريعي خطير، حيث تُقرّ القوانين ولا تُنفّذ، ويُحكم على الناس دون مرجعية واضحة، وتُؤجّل الحلول دون أسباب معلنة. وفي ظل غياب برلمان فعّال، وتغييب الحياة السياسية، تصبح قرارات السيسي وحدها هي معيار القانون، و"مزاجه السياسي" هو ما يحدد مصير قوانين تمسّ ملايين المواطنين.
القوانين المصيرية
تأخير السيسي في التصديق على القوانين المصيرية، وعلى رأسها قانون الإيجارات القديمة، يعكس نمطًا متكررًا من العبث المتعمد الذي يدفع ثمنه المواطن. وبين التلاعب الدستوري، ورفع الأسعار الجنوني، وتهميش البرلمان، تظهر صورة واضحة لنظام لا يُخفي عداءه لمواطنيه، بل يمارس سياسة "الإنهاك التدريجي" لشعب يبدو أن رأس السلطة لا يكنّ له إلا الازدراء.