“استيلاء أم تأميم مقنع ل “ماي واي ” ؟… هكذا تستخدم عصابة السيسي سلاح التَحَفُّظ للسطو على الشركات”!

- ‎فيتقارير

 

في واقعة جديدة تكشف ملامح ما يصفه حقوقيون بـ"العبث المنهجي" في إدارة الشركات المُتحفَّظ عليها، أحالت نيابة الأموال العامة العليا بسلطة الانقلاب العسكري في مصر  أحد مسؤولي شركة "ماي واي إيجيبت لمستحضرات التجميل" إلى المحاكمة بتهمة الاستيلاء على أكثر من 8 ملايين جنيه، رغم خضوع الشركة الكامل لرقابة لجنة التحفظ على أموال ما تسميه الدولة "الكيانات الإرهابية".

 

الحادثة التي تبدو للوهلة الأولى مجرد قضية فساد مالي، تفضح في حقيقتها هشاشة المنظومة التي يستخدمها نظام المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي لمصادرة أموال خصومه السياسيين، تحت ستار "مكافحة الإرهاب" كما تفتح الباب لتساؤلات أكثر جوهرية، إذا كانت الدولة تزعم أن هذه الشركات تموّل الإرهاب، فلماذا لا تكتفي بالتحفظ القضائي، بل تتجه عملياً للاستيلاء عليها وإدارتها، وربما تمهيداً لبيعها مستقبلاً كما جرى مع كثير من أصول القطاع العام التي بيعت بثمن بخس لحكومات الخليج، وعلى رأسها الإمارات والسعودية؟

 

تحفظ أم سيطرة؟

 

الشركة المتهمة بالاستيلاء عليها مدرجة منذ سنوات ضمن قائمة الكيانات التي طالها قانون التحفظ رقم 22 لسنة 2018، وهو القانون الذي يمنح الدولة سلطة الحصر والإدارة والتصرف الكامل في أموال "المتهمين بالإرهاب"، دون انتظار حكم قضائي بات.

 

وبينما تزعم الدولة أن الهدف من هذا القانون هو قطع التمويل عن الجماعات المتطرفة، يرى مراقبون أن ما يحدث فعلياً هو تصفية اقتصادية للمعارضين، عبر إجراءات ذات طابع سياسي تُغلف بغلاف قانوني هش. بل وتبدو الدولة، في أحيان كثيرة، مستفيدة من هذا التحفظ أكثر من حرصها على حماية الأموال، حيث تتحول السيطرة إلى فرصة للإدارة والبيع، كما حدث مع عشرات الشركات التي نُقلت ملكيتها فعلياً إلى جهات أمنية أو أطراف مقربة من النظام.

 

خلل إداري أم اختراق ممنهج؟

 

ما يزيد الطين بلة، أن واقعة الاختلاس وقعت رغم أن الشركة المتحفظ عليها تُدار بالفعل من قبل شركة أخرى مكلفة من الدولة، وهي "شركة المستقبل للرعاية الصحية"، في إطار منظومة تسليم الشركات المتحفظ عليها إلى جهات تنفيذية مؤقتة.

 

ومع ذلك، استطاع مصطفى أبو عوف، عضو مجلس الإدارة السابق، اختراق هذا الحصار المالي، والحصول على الملايين من أحد فروع الشركة في القاهرة، مستغلاً وضعه السابق. ما يطرح علامات استفهام كبيرة: كيف تمكن من ذلك؟ وأين كانت الرقابة المفترضة من لجنة التحفظ؟ وهل يُدار هذا الملف فعلاً بجدية أم أن ما يحدث هو مجرد توزيع جديد للثروة تحت غطاء "التحفظ"؟

 

هل هناك نية مُبيّتة للاستحواذ الكامل؟

 

يرى خبراء أن الواقعة ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من استغلال قانون التحفظ، ليس فقط لمعاقبة خصوم سياسيين، وإنما للتمهيد للسيطرة على شركات ناجحة أو ذات قيمة سوقية، ثم إعادة بيعها لاحقاً كما جرى مع أصول الدولة التي فرّط فيها النظام على مدار سنوات لصالح مستثمرين من الخليج.

 

ففي ظل غياب الشفافية، وتسييس القوانين، وتجاهل حقوق المساهمين، تبدو "لجنة التحفظ" مجرد ذراع اقتصادية للنظام، تسهل له إعادة توزيع الأموال والشركات والفرص، بما يخدم مصالح نخبة ضيقة، على حساب القانون والدستور وحتى مفهوم الملكية الخاصة.

 

الحقوق مُهدرة والتعويض غائب

 

حتى في الحالات التي أثبتت فيها المحاكم لاحقاً براءة الشركات أو الأشخاص المتحفظ على أموالهم، لم تُرد إليهم حقوقهم، لا المادية ولا المعنوية. ما يجعل من قرارات التحفظ سيفاً مُسلطاً لا رجعة فيه، حتى وإن ثبتت براءة المتهم لاحقاً.

 

ويبقى السؤال: هل يستخدم السيسي ورقة "التحفظ" كغطاء لتفكيك ما تبقى من القطاع الخاص الوطني، كما فكك من قبل القطاع العام؟ وهل نحن أمام مشروع تأميم جديد، ولكن بنكهة سياسية وانتقائية، تطال المعارضين فقط؟

 

ما حدث في "ماي واي" ليس مجرد واقعة اختلاس، بل نافذة تطل منها الحقيقة على مشروع اقتصادي وسياسي قائم على الإقصاء والمصادرة، لا على القانون أو مكافحة الإرهاب.