كارثة ضحايا الهجرة غير الشرعية التي أعلنت عنها السلطات الليبية بعد العثور على 15 جثة لمهاجرين مصريين في مدينة طبرق، تعيد للأذهان العديد من الكوارث التي وقعت على شواطئ المتوسط في رحلات محفوفة بالمخاطر لمصريين حاولوا الفرار من الأوضاع الكارثية التي يعانون منها في مصر في زمن الانقلاب من ارتفاع الأسعار وتراجع الدخول والبطالة وانهيار مستوى المعيشة، بالإضافة إلى انتهاكات حقوق الإنسان والقمع والاستبداد والاعتقالات العشوائية والحبس الاحتياطي بدون جريمة والتعذيب في مراكز الاحتجاز .
ومن بين الضحايا، تم التعرف على هوية 6 من هذه الجثث بينما لا تزال هوية الباقين مجهولة، فيما تواصل منظمة العابرين الليبية والإدارة العامة لأمن السواحل الليبية جهودها لتحديد هوية الجثث المتبقية.
كانت السواحل الليبية قد شهدت في الآونة الأخيرة، تصاعدًا غير مسبوقً في عمليات الهجرة غير الشرعية، حيث يعبر العديد من الجنسيات المتعددة نحو السواحل الأوروبية بحثًا عن حياة أفضل، وتعد ليبيا نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين الذين يخوضون رحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأبيض المتوسط، حيث يتعرضون للعديد من الأخطار، بما في ذلك الغرق والاتجار بالبشر، وسط غياب كامل للضمانات القانونية لحمايتهم.
تاريخ مؤلم
ولحوادث الهجرة غير الشرعية تاريخ مؤلم في حصد أرواح الشباب المصري، وكان آخر تلك الحوادث المفجعة في أغسطس 2022، حيث استيقظ أهالي مدينة أبنوب التابعة لمحافظة أسيوط على فاجعة وفاة ٦ أشخاص بينهم ٥ أطفال نتيجة الجوع والعطش خلال رحلة هجرة غير شرعية إلى إيطاليا، الأمر الذي أصاب أهل القرية بصدمة كبيرة.
ورغم الصدمة إلا أن هذه الحوادث أصبحت جزءا من الأحداث اليومية المتكررة، خلال السنوات الأخيرة نتيجة لتكرار هذه الحوادث وإصرار الآلاف من الشباب المصريين على الإقدام على رحلات الهجرة المحفوفة بالمخاطر.
ولم يكن الحادث هو الأول ولن يكون الأخير، فقبل شهور معدودة، وبالتحديد في مارس 2022، شيع أهالي محافظة المنوفية جثامين ٥ شباب راحوا ضحية الهجرة غير الشرعية في حادث غرق مركبهم عند السواحل الليبية، وذلك خلال رحلة هجرة غير شرعية إلى إيطاليا.
وفي أغسطس 2021، شهدت قرية تلبانة بالدقهلية حادثا كبيرا، حيث اختفى العشرات من أبناء القرية خلال رحلة هجرة غير شرعية إلى إيطاليا عبر البحر المتوسط عن طريق عصابة لتهريب الشباب بطرق غير مشروعة.
وقبلها بأشهر معدودة، شهدت محافظة الفيوم غرق المئات من شبابها خلال رحلات هجرة غير شرعية إلى إيطاليا أيضا عبر ليبيا حيث ابتلعهم البحر المتوسط.
الظروف الاقتصادية
من جانبه أكد استشاري الطب النفسي الدكتور جمال محمد فرويز، أن الظروف الاقتصادية هي الدافع الأول لإقدام الشباب المصري على مثل هذه السلوكيات الخطرة والوقوع في يد سماسرة الهجرة غير الشرعية .
وقال فروزير في تصريحات صحفية: إن "الظروف الاقتصادية تضرب العالم كله الآن، وما لا يعرفه البسطاء أن الظروف الاقتصادية الآن في أوروبا أصبحت سيئة، في ظل الغلاء الملحوظ خلال السنوات الأخيرة بعد الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة والغذاء".
وأشار إلى أنه خلال الشهور القليلة الماضية هناك العديد من المهاجرين المصريين في أوروبا عادوا إلى مصر بعد سنوات طويلة من الهجرة نتيجة للظروف الاقتصادية أيضا.
وكشف فرويز عن الظروف الاجتماعية التي تعزز من رغبة الشباب المصري في الهجرة، موضحا أنه عندما يرى المواطنون من عادوا من رحلة للهجرة غير الشرعية خاصة أولئك الذين هاجروا إلى إيطاليا أو إسرائيل وكونوا مبالغ كبيرة من المال فانهم يتطلعون بل ويبحثون عن الهجرة.
وأضاف: لكن الظروف الآن تغيرت وأصبح الوضع في الدول الأوروبية صعبا للغاية، وبالتالي الظروف المعيشية هنا قد تكون أفضل، وفق تعبيره .
وتابع فرويز : للأسف هناك مشروعات كبرى لا يتم الترويج لها بشكل جيد، وهذا خطأ، لذلك يجب إعادة الترويج من وقت لآخر للمشروعات الكبرى وما توفره من فرص عمل حقيقية للشباب.
فرص عمل للشباب
وقالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: إن "استمرار هذه الظاهرة السلبية بالطبع يحتاج إلى خطة توعوية شاملة حول الظاهرة ومخاطرها وأبرز التهديدات التي تواجه المقدمين عليها مطالبة دولة العسكر بتوفير فرص عمل للشباب، ودورات تدريبية لتطوير مهاراتهم لكسب وظيفة تليق بمؤهلاتهم وتحقق لهم المستوى الاجتماعي والاقتصادي المناسب".
وأضافت "سامية خضر" في تصريحات صحفية : للأسف التليفزيون والسينما والسوشيال ميديا أسهمت بشكل كبير في نشر ثقافة الثراء السريع وحلم الغنى دون مجهود أو تعب وهو ما لا يحدث حتى وإن حدث فإنها تكون وقائع فردية تخرج عن القاعدة وهي الجهد والتعب لتحقيق الذات.
وأوضحت أن التعامل مع المشكلات والقضايا الكبرى مثل الهجرة والمشكلة السكانية وغيرها من القضايا تراجع بشكل كبير في الإعلام والتوعية والأعمال الفنية والسينمائية والمسلسلات، مطالبة بعودة هذه القنوات التوعوية لدورها البارز في علاج القضايا المهمة.
وتساءلت "سامية خضر": وماذا بعد الهجرة؟!، موضحة أن الدول الأوروبية الآن تعاني الأمرين بعد زيادة أسعار الأغذية والطاقة وهو ما أجبر هذه الدول على اتخاذ إجراءات مشددة للتعامل مع الأزمات التي تحيق بها.
وتابعت: من هنا يجب على الإعلام أن يسلط الضوء على هذه المشكلات حتى يعلم من يفكر في الإقدام على الهجرة غير الشرعية أنه لن يسافر ليعيش في العسل ويحقق الأحلام الوردية وإنما سيذوق الأمرين للحصول على لقمة العيش ويتعرض للكثير من الإهانات .
وطالبت "سامية خضر" رجال الفن والسياسة والثقافة والإعلام بأن يشاركوا في حملات توعوية لتجنيب الآلاف من الشباب المصري الوقوع في فخ الهجرة الشرعية المحفوف بالمخاطر.