الأهالي بين الرعب والاحتجاجات.. اشتباكات العريش هل فقد السيسي السيطرة ام ترك العنان للعرجاجي ؟

- ‎فيتقارير

 

شهدت مدينة العريش في شمال سيناء، الثلاثاء الماضي، مشهداً صادماً أعاد إلى الأذهان سنوات الانفلات الأمني والاقتتال، مع اندلاع اشتباكات مسلحة عنيفة في وضح النهار بين مجموعات مسلحة تستقل سيارات دفع رباعي، ما أسفر عن إصابة عدد من المدنيين واختطاف أحدهم، وسط غياب أمني فاضح، وانسحاب الجناة من المدينة دون اعتراض.

الحادثة التي لم تشهدها المدينة منذ سنوات، أعادت فتح ملف الأمن في سيناء، بل وطرحت أسئلة خطيرة: من يقف خلف المسلحين؟ ولماذا لم تتحرك القوات الأمنية؟ وهل هؤلاء مرتبطون باتحاد قبائل سيناء الذي يقوده رجل الأعمال إبراهيم العرجاني؟

 

غياب الأمن… وتواطؤ السلطة؟

في حين روّج نظام  المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي طيلة السنوات الماضية لفكرة "عودة الأمن الكامل إلى سيناء"، فإن الحادثة الأخيرة تقوّض هذه الرواية تماماً. خروج مجموعات مسلحة بهذا الشكل المنظم، وتمكنها من الانسحاب دون مواجهة، يشير إما إلى انهيار في منظومة الرصد الأمني، أو إلى تغاضٍ متعمد من الدولة تجاه بعض الجهات المسلحة، خصوصاً تلك التي تدور في فلك السلطة، وتحظى بحمايتها.

الناشط السياسي زهدي جواد كشف في تصريحات صحفية " أن بعض المسلحين المنفذين للهجوم هم أفراد ضمن اتحاد قبائل سيناء، الكيان القبلي المقرب من النظام، والذي يتزعمه إبراهيم العرجاني. وأضاف أن المركبات المستخدمة في الحادث ليست متاحة للعامة، وإنما تستخدمها جهات محسوبة على النظام، متسائلًا: "هل باتت بعض القبائل فوق القانون؟".

المواطنون بين الرعب والاحتجاج

عقب الهجوم، خرج أهالي العريش في وقفات احتجاجية تطالب بفرض الأمن ومحاسبة المسلحين، ورفع الغطاء القبلي عنهم. قال أحد مشايخ سيناء، أبو سلمان السواركة، إن الأهالي لن يقبلوا بعودة شبح الفوضى، مؤكدًا أن كل بيت في سيناء دفع ثمناً باهظاً في الحرب ضد الإرهاب، ولن يسمح بعودة السلاح والعنف إلى الشوارع.

لكن رغم دعوات المشايخ والناشطين، لم تُعلن الدولة عن أي نتائج لتحقيقات، ولم تُكشف هوية الجناة، ولم يصدر أي توضيح رسمي بشأن تورط اتحاد قبائل سيناء، ما يعزز المخاوف من أن هناك جهات محمية سياسياً ومسموح لها بتجاوز القانون.

 

خرافة الأمن في إعلام النظام

الخبير الأمني حاتم صابر حاول التخفيف من وقع الحادث، واصفاً إياه بـ"الحالة الفردية"، مؤكداً أن "الوضع الأمني تحت السيطرة". لكن هذا التبرير، في نظر المتابعين، يكشف ازدواجية خطاب الدولة، التي لا تتردد في اعتقال الشباب بتهم نشر منشور أو التظاهر، لكنها تفشل في التصدي لسيارات مسلحة تجوب الشوارع وتخطف المواطنين.

كما يدّعي النظام امتلاكه منظومة استخبارية متكاملة تشمل الأمن الوطني والمخابرات العامة والحربية، ويؤكد أنه يشن حملات دائمة لضبط السلاح، ما يثير التساؤل: كيف مرت هذه العملية بهذا الشكل إن كانت الأجهزة الأمنية حاضرة بالفعل؟ أم أن المنظومة لا تُفعّل إلا ضد المعارضين المدنيين وليس حلفاء النظام من القبائل المسلحة؟

 

العرجاني واتحاد القبائل… هل هم فوق الدولة؟

الاتحاد الذي يقوده إبراهيم العرجاني يُعرف كحليف رسمي للدولة، شارك في العمليات ضد تنظيم "داعش" ووفّر دعماً لوجستياً واجتماعياً للقوات المسلحة. لكن المراقبين يرون أن هذه العلاقة خرجت عن السيطرة، وأصبحت تشكل خطراً داخلياً جديداً، في ظل تزايد المظاهر المسلحة والانفلات داخل بعض العائلات القبلية.

فهل ترك النظام العنان لهذا الكيان ليقوم بدور الدولة الأمني خارج الأطر الرسمية؟ وهل يدفع سكان سيناء من جديد ثمن تحالفات النظام الأمنية غير المنضبطة؟

 

 من يحكم العريش؟

ما جرى في العريش ليس مجرد "حادث فردي"، بل ناقوس خطر يكشف هشاشة الأمن، وربما تواطؤ السلطة مع جماعات مسلحة تعمل خارج القانون، تحت ستار الولاء للنظام.

وإذا كان عبد الفتاح السيسي قد جعل من الأمن ذريعة للقمع، فها هي العريش بلا أمن ولا أمان، وسكانها يُختطفون تحت سمع وبصر الأجهزة التي يفترض أنها تحكم قبضتها على سيناء.

فهل ستتحرك الدولة لكشف الحقيقة؟ أم أن الجناة سيُفلتون كما أفلت من قبلهم كثيرون كانوا من المحسوبين على دوائر النفوذ؟