الانتهاكات الحقوقية وممارسات التعذيب فى مراكز الاحتجاز وأقسام الشرطة والتى تسببت فى وفاة المئات من المعتقلين فى زمن الانقلاب آثارت انتقادات حادة من جانب منظمات المجتمع المدنى ومن جانب عموم المصريين الذين يعانون من إجرام ميلشبات أمن الانقلاب التى لا تحترم قانونا ولا تحسب حسابا لكرامة الإنسان وحقوقه فضلا عن تقاليد المجتمع المصرى وعاداته .
كان نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى قد تداولوا على منصّتي فيسبوك وإكس، مقاطع فيديو توثّق مناوشات بين عدد من أهالي مدينة بلقاس بمحافظة الدقهلية وقوات أمن الانقلاب، عقب إعلان وفاة الشاب الجامعي أيمن صبري داخل مركز شرطة بلقاس، وسط اتهامات بتعرضه للتعذيب أثناء احتجازه.
وطالب نشطاء حقوقيون بفتح تحقيق شفاف في الواقعة وكتب المحامي محمد رمضان عبر صفحته على فيسبوك: يجب على نائب عام العسكر فتح تحقيق في واقعة وفاة الشاب أيمن صبري داخل مركز شرطة بلقاس، مع الرائد محمد صادق رئيس المباحث، والمقدم محمد جمعة مأمور المركز.
“خالد سعيد جديد”
وتُعد هذه الواقعة، وفق منظمات حقوقية، حلقة جديدة في سلسلة من الوفيات داخل أقسام ومراكز الشرطة حيث يُتهم بعض أفراد أمن الانقلاب بممارسة التعذيب أو التسبب في الوفاة نتيجة الإهمال الطبي. ووصف نشطاء واقعة بلقاس بأنها “خالد سعيد جديد”، في إشارة إلى الشاب الذي أصبحت وفاته عام 2010 رمزًا لحركة احتجاج واسعة انتهت بثورة يناير 2011.
فى المقابل زعمت الصفحة الرسمية لوزارة داخلية الانقلاب أنه تم إحالة ضابطي شرطة للتحقيق، بعد ثبوت تجاوُزهما في معاملة مواطنين داخل قسم شرطة أول العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، بالمخالفة للتعليمات الصادرة بشأن حسن معاملة المواطنين فيما وثقت منظمات حقوقية 24 حالة وفاة داخل عدد من أقسام الشرطة في محافظات الجمهورية في الفترة من يناير 2024 وحتى يونيو 2025. بخلاف الواقعة الأخيرة التي شهدتها مدينة بلقاس.
25 حالة وفاة
حول هذه الجرائم والانتهاكات قالت الباحثة الحقوقية سارة حمزة : رصدنا في المفوضية المصرية للحقوق والحريات نحو 25 حالة وفاة داخل أقسام الشرطة فقط، خلال الفترة من يناير 2024 حتى منتصف 2025 مؤكدة أن هذا الرقم يُعبّر عن نمط ممنهج من الانتهاكات داخل أماكن الاحتجاز .
وأكدت سارة حمزة فى تصريحات صحفية أن سلطات الانقلاب لم تتخذ حتى الآن، أي إجراءات حقيقية أو جادة لوقف هذه الظاهرة مشيرة إلى أنه رغم تعدد البلاغات والشهادات والتقارير الحقوقية، لا توجد مساءلة شفافة أو تحقيقات مستقلة في الغالبية الساحقة من الحالات .
وشددت على أنه حتى في حالات الوفاة الناتجة عن اعتداءات بين المحتجزين أنفسهم، تظل وزارة داخلية الانقلاب مسئولة قانونًا، باعتبارها الجهة المشرفة على أماكن الاحتجاز وضمان سلامة جميع النزلاء دون تمييز.
التعذيب
وكشفت سارة حمزة أن من بين أسباب الوفاة التي وثّقتها المفوضية المصرية تنوّعت بين الإهمال الطبي وسوء المعاملة والتعذيب، إلى جانب ظروف احتجاز غير إنسانية تشمل التكدس الشديد، وسوء التهوية، وغياب الرعاية الصحية مؤكدة أن بعض الغرف في الأقسام تضم أكثر من 30 شخصًا في مساحة ضيقة لا تليق بالبشر.
وأوضحت أن أنماط الوفيات المتكررة تشير إلى خلل هيكلي في نظام إدارة الاحتجاز، وغياب تام لأي رقابة مستقلة أو إصلاح جذري معربة عن أسفها لأن أقسام الشرطة مغلقة أمام زيارات منظمات المجتمع المدني، ولا توجد آلية رقابية فعالة تتحقق من ملائمة تلك الأماكن.
وشددت سارة حمزة على أن دولة العسكر بموجب الدستور والاتفاقيات الدولية التي صدّقت عليها، ملزمة ليس فقط بمنع وقوع الانتهاكات، بل أيضًا بالتحقيق الجاد والفوري في كل حالة وفاة أو إصابة خطيرة داخل مقار الاحتجاز، ومحاسبة المسئولين عنها، وتعويض الضحايا وذويهم. مؤكدة أن هذا، للأسف، لا يحدث.
ثورة 25 يناير
وقال المحامي الحقوقي حليم حنيش: رغم أن ثورة 25 يناير اندلعت احتجاجًا على انتهاكات وزارة داخلية الانقلاب، وتجسّد ذلك في واقعة مقتل خالد سعيد التي كانت من الشرارات المباشرة للثورة، إلا أن أجهزة أمن الانقلاب لم تتوقف عن ارتكاب الجرائم بحق المواطنين داخل أماكن الاحتجاز مؤكدا أنه بعد مرور أكثر من 15 عامًا، ما زالت الممارسات القديمة مستمرة، بل يمكن القول إنها تفاقمت.
وأضاف حنيش فى تصريحات صحفية : الانتهاكات لم تعد مقتصرة على القضايا السياسية فحسب، بل صارت الاعتداءات نمطًا يوميًا داخل أقسام الشرطة، ويصعب حصرها مشيرا إلى أن هناك حالات تُكشف بسبب وفاة الضحية، لكن حالات أخرى كثيرة من التعذيب والإهانات تمرّ دون أن يعلم بها أحد، لأن الكثير من الضحايا يخشون الحديث عما تعرّضوا له، خوفًا من الانتقام أو عدم وجود ضمانة للحماية.
وحمّل دولة العسكر المسئولية المباشرة، عن هذه الجرائم مؤكدا أن ما يُبقي هذا النمط قائمًا هو غياب المحاسبة تمامًا.
وتابع حنيش : لم نرَ ضابط شرطة يُحاسب بشكل جاد في قضايا تعذيب أو قتل أو إهمال. وحتى في الحالات النادرة التي تُحال فيها بعض العناصر الأمنية للمحاكمة، تكون الأحكام مخففة، وغالبًا ما يتم الإفراج عنهم بعد فترة قصيرة، بل ويعودون إلى مواقعهم الوظيفية.
وكشف أن الانتهاكات ضد المحتجزين الجنائيين قد تكون في بعض الأحيان أشدّ وأقسى من تلك التي يتعرّض لها المحتجزون السياسيون، نظرًا لغياب التوثيق والرقابة والتفاعل الحقوقي مع هذه الفئة .