وجه صندوق النقد الدولي ضربة قوية لعصابة العسكر، حيث انتقد استمرار تدخل المؤسسة العسكرية في الأنشطة الاقتصادية .
وحذر الصندوق من أن هيمنة دولة العسكر، خصوصًا القوات المسلحة، تُعيق النمو وتحد من فرص العمل والاستثمار، وكشف تقرير صادر ضمن المراجعة الرابعة لبرنامج القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار، للمرة الأولى، عن امتلاك المؤسسة العسكرية 97 شركة، من بينها 73 في القطاع الصناعي وحده، معتبرًا أن هذا الوضع يعرقل النمو ويمنع خلق فرص عمل حقيقية للقطاع الخاص .
جاءت انتقادات الصندوق بسبب تأخر طرح شركات الجيش للبيع، وعلى رأسها “وطنية للبترول” و ”صافي للمياه”، رغم الوعود الرسمية المتكررة بإدراج أسهمهما في البورصة خلال عام 2025، وبينما تسعى حكومة الانقلاب إلى طمأنة الصندوق عبر خطوات تدريجية، وصف التقرير الاقتصاد المصري بأنه “رهينة” للسيطرة الحكومية والإدارة العسكرية.
وربط تقرير صندوق النقد بين بطء تنفيذ برنامج الخصخصة واضطراره إلى دمج المراجعتين الخامسة والسادسة مؤكدا تراجع الحصيلة المتوقعة من بيع الأصول الحكومية من 3 مليارات دولار إلى 0.6 مليار دولار بنهاية الربع الرابع من 2024 نتيجة تراجع وتيرة التخارج،
وطالب الصندوق حكومة الانقلاب بتقليص الحضور الاقتصادي العسكري والدفاعي وخلق بيئة تنافسية نشطة.
سياسة التخارج
في هذا السياق أكدت جولي كوزاك نائب المتحدثة باسم الصندوق أن تعثر تطبيق سياسة التخارج هو سبب تأجيل المراجعة الخامسة ودمجها مع السادسة .
وشدّدت كوزاك في تصريحات صحفية على ضرورة تعميق الإصلاحات بقطاع الأعمال العام وخفض دور دولة العسكر في الاقتصاد، وتسريع وتيرة بيع حصص الشركات الحكومية والسيادية لضمان انسياب الشريحة القادمة من التمويل.
خطة واضحة
تعليقا على هذه الانتقادات قال الباحث الاقتصادي محمد رمضان، أن عصابة العسكر لا تملك حتى الآن خطة واضحة أو معلنة لتخارج الشركات التابعة للقوات المسلحة من السوق المدني، رغم تعهدها بذلك في إطار اتفاقها مع صندوق النقد الدولي.
وأكد رمضان في تصريحات صحفية أنه لا توجد لدى العصابة خطة معلنة لتخارج شركات الجيش. كل ما جرى الإعلان عنه في وثيقة رسمية يتعلق بشركتين فقط، هما ‘الوطنية للبترول’ و ‘صافي للمياه’، لافتا إلى أنه على مدار العامين الماضيين، تواترت الأخبار بشأن طرح هاتين الشركتين، تارةً بالحديث عن بيعهما لمستثمر استراتيجي، وتارةً أخرى عن طرح جزء من أسهمهما في البورصة، إلا أنه حتى الآن لم تُطرح أي منهما، ولا توجد خطة واضحة في هذا الشأن .
وكشف أن صندوق النقد الدولي مُصرّ على هذا الشرط باعتباره جزءاً من الاتفاق الأساسي الموقع مع عصابة العسكر، والذي ينص على إدماج القطاع الخاص ومنع الممارسات غير التنافسية التي تقوم بها الشركات المملوكة لحكومة الانقلاب، بما في ذلك الشركات المملوكة للجهات السيادية مثل القوات المسلحة. لكن حتى الآن لا نوجد خطة معلنة، وكل ما تم الإعلان عنه شركتان يفترض طرحهما، إلا أن ذلك يتأخر باستمرار .
أولويات أخرى
وأشار رمضان إلى أنه لا أحد يعرف إجابة واضحة عن سبب تأخر الطرح. هناك من يعزو الأمر إلى أسباب فنية متعلقة بالإجراءات والأوراق، وهناك من يرى أن السبب هو غياب العروض السعرية المناسبة، وهي تفسيرات تتراوح بين التحليل والتكهن، لكن السؤال يظل مطروحًا: لماذا لم يتم الطرح حتى الآن؟.
وبشأن السيناريوهات المتوقعة مع صندوق النقد، أوضح أن الصندوق يمارس ضغوطًا في هذا الملف، لكنه في النهاية لن يربط استمرار البرنامج بالكامل بملف تخارج الشركات السيادية مشيرا إلى أن الصندوق يضع أولويات أخرى، وعلى رأسها السياسة النقدية، لا سيما ما يتعلق بمرونة سعر الصرف، وهو جانب يتصدر اهتماماته. أما الإصلاحات الهيكلية مثل تخارج دولة العسكر من بعض الأنشطة الاقتصادية أو بيع الأصول، فهي خطوات تستغرق وقتًا في التنفيذ.
وتوقع رمضان أن يتفق الصندوق مع حكومة الانقلاب على تأجيل بعض خطوات البيع لحين تحسن أوضاع سوق المال أو وصول عروض استثمارية أفضل مؤكدا أن هناك دائمًا مساحة للمناورة في هذا الجانب .
مبدأ تكافؤ الفرص
وأكد الخبير الاقتصادي زهدي الشامي أن حجم النشاط الاقتصادي التابع للمؤسسة العسكرية بات واسعًا ومؤثرًا بشكل كبير، رغم غياب الأرقام الدقيقة من الجهات الرسمية، مشيرا إلى أن دولة العسكر عادةً ما تقلل من حجم مساهمة الجيش في الاقتصاد، لكن الواقع يظهر أن هناك عددًا كبيرًا من الأنشطة الاقتصادية التي أصبحت تحت سيطرة المؤسسة العسكرية، وهو أمر له تبعات متعددة .
وحذر الشامي في تصريحات صحفية من أن هذا الوضع يؤدي إلى خلل كبير في بنية الاقتصاد، لكونه يؤثر على توازن السوق والعدالة التنافسية، موضحًا أنه عندما تدخل مؤسسة لا تخضع لنفس القواعد القانونية والمحاسبية التي يخضع لها القطاع الخاص أو حتى القطاع العام، فإن ذلك يخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين الفاعلين الاقتصاديين، ويؤدي إلى طرد قطاعات كاملة من السوق .
وقال: إن "الجيش لا ينفذ كل شيء بنفسه، فبعض المشاريع تتم عبر شركاته، وبعضها يتطلب عمالة مدنية، لكن في نهاية الأمر هناك تهميش للقطاع الخاص، خصوصًا المشاريع الصغيرة التي تضررت بشكل مباشر من دخول الجيش في مجالات متنوعة، من بيع السلع الغذائية إلى تنفيذ المشروعات الكبرى".
وكشف الشامي أن هناك تقديرات غير رسمية تشير إلى أن الجيش يسيطر على ما بين 25% إلى 40% من الاقتصاد المصري. ويتمتع الجيش بمزايا تنافسية تجعل من الصعب على القطاع الخاص منافسته موضحا أن أول هذه المزايا هو الإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية بموجب قوانين مثل المادة 47 من قانون ضريبة الدخل لعام 2005 والمادة 19 من قانون الإعفاءات الجمركية