في الوقت الذي صدّق فيه عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموي على قانون الإيجار القديم، والذي يهدد بتشريد ملايين المصريين وطردهم من وحداتهم السكنية إلى الشارع، أعلنت وزارة إسكان الانقلاب عن رفع أسعار وحدات الإسكان الاجتماعي بنسبة تقترب من الـ 30%، وهو ما يهدد بأزمة سكن غير مسبوقة سواء للشباب المقبل على الزواج أو لكبار السن والأرامل والمطلقات ومحدودي الدخل بصفة عامة، وكأن دولة العسكر تعمل على حصار المصريين بحرمانهم من شقق الإيجار القديم وفي نفس الوقت تعجيزهم عن الحصول على شقة إسكان اجتماعي من خلال رفع الأسعار بصورة جنونية.
كانت وزارة إسكان الانقلاب قد أعلنت عن طرح وحدات إسكان اجتماعي لمحدودي الدخل ضمن إعلان «سكن لكل المصريين 7»، وفوجئ ملايين المصريين بالأسعار الجديدة للوحدات والدفعات الربع سنوية للأقساط.
فبعد أن كانت أسعار الوحدات المطروحة في إعلان سكن لكل المصريين 5 الذي طُرح نهاية العام الماضي، واستمر حتى شهر أبريل الماضي، تتراوح بين 542 ألف جنيه و700 ألف جنيه، أصبحت في غضون 3 أشهر فقط ضمن إعلان سكن لكل المصريين 7 تتراوح بين 850 ألفاً إلى 900 ألف جنيه، أي ارتفعتً بقيمة 150 إلى 200 ألف جنيه للوحدة.
أما بالنسبة للدفعات ربع سنوية التي من المفترض أن يسددها محدودو الدخل، فقد تراوحت خلال الإعلان السابق بين 7 و8 و9 آلاف جنيه، إلا أنها تضاعفت فجأة في هذا الإعلان إلى 12.5 و13.5 و14.5 ألف جنيه، ما تسبب في صدمة لكثير من المواطنين.
في السياق ذاته رفعت حكومة الانقلاب مبلغ جدية الحجز من 30 ألف جنيه إلى 50 ألف جنيه في الإعلان الحالي، ما دعا الكثيرين إلى التساؤل عن أسباب هذه الارتفاعات الجنونية في أسعار الوحدات، ولماذا تتعامل دولة العسكر مع محدودي الدخل على اعتبار أنهم من الأغنياء القادرين على دفع 12 ألف جنيه كل 3 أشهر، رغم أن الدور المنوط بها هو دعم المواطن وتقديم الحماية الاجتماعية له.
تاجر ومقاول
في هذا السياق، قالت الدكتورة عالية المهدى، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة سابقاً: إن "دور دولة العسكر يجب أن يكون تضامنياً مع محدودي الدخل، بحيث تساعدهم لا أن تزيد عليهم الأعباء المالية برفع الأسعار، معتبرة ما يحدث حالياً خروجا على دور دولة العسكر في الحماية الاجتماعية".
وأضافت «عالية المهدي» في تصريحات صحفية : من المفترض أن هذه الوحدات لمحدودي الدخل، وليس من المعقول توفير سكن لمحدودي الدخل، ثم تقوم حكومة الانقلاب برفع الأسعار عليهم بعد عدة أشهر فقط بين الإعلان والآخر، ولذلك فإن ما يحدث حالياً عكس الدور المفترض لدولة العسكر القيام به، وهو تقديم الحماية الاجتماعية لمحدودي الدخل.
وأوضحت أن هذا الارتفاع المستمر في الأسعار ينعكس على سوق العقارات برفع الأسعار، لأن صاحب الوحدة يرى أن دولة العسكر ترفع أسعار وحدات الإسكان الاجتماعي إلى ما يقرب من مليون جنيه، وبالتالي ترتفع الأسعار في السوق العقاري ، خاصة أننا نعانى مشكلة تتمثل في أن معظم الإسكان التابع للقطاع الخاص إسكان متوسط وفوق متوسط وفاخر، ولا يهتم أحد بالإسكان الشعبي لمحدودي الدخل، في الوقت الذى تمنع دولة العسكر البناء في المناطق الريفية وزيادة الأدوار في المساكن الخاصة بالمواطنين، ما يؤدي في النهاية إلى زيادة أسعار الوحدات.
وتابعت «عالية المهدي»: هذه الأسعار لا يستطيع الفقراء ومحدودو الدخل تحملها، وأصبحت دولة العسكر تستثمر على حساب الغلابة، وبالتالي من الأفضل أن تتوقف عن بناء وحدات الإسكان الاجتماعي، وتسمح للمواطنين بالبناء، وتنظيم بناء الإسكان الشعبي والاجتماعي، وليس من الضروري أن تتدخل دولة العسكر في المسألة وتتحول إلى تاجر ومقاول .
محدودو الدخل
وأكدت ضرورة تنظيم البناء على الأراضي الصحراوية والمحيطة بالمناطق الزراعية، وتنظيم ارتفاعات الأدوار، لأننا منذ 6 أو 7 سنوات ممنوع على الأفراد البناء، لأنه إذا سمحت دولة العسكر للأفراد بالبناء ووضعت شروطاً جيدة، فسيكون ذلك أفضل لمحدودي الدخل من الحصول على وحدات الإسكان الاجتماعي بأسعارها المرتفعة حالياً.
وأضافت «عالية المهدي» : محدودو الدخل عندما يقومون بالبناء يبنون الوحدات على قدر استطاعتهم المادية، وبمواصفات يستطيعون تلبيتها وتوفير التكاليف الخاصة بها، وبالتالي سيكون ذلك أفضل لهم .
وأشارت إلى أن أسعار مواد البناء المختلفة لم ترتفع خلال الشهرين أو الثلاثة الماضية، بل على العكس قد تكون انخفضت، فكيف ترفع دولة العسكر أسعار الوحدات في هذا الوضع، في ظل انخفاض معدل التضخم الرسمي المعلن من دولة العسكر.
وحذرت «عالية المهدي» من أن غضب محدودي الدخل من رفع أسعار الوحدات في محله، لأنهم أصبحوا لا يستطيعون الحصول على سكن من دولة العسكر وفى الوقت نفسه غير قادرين على البناء في مساكنهم الخاصة.
معايير الربحية
وقال الباحث الاقتصادي، محمد محمود: إن "مشروعات الإسكان الاجتماعي تتشابه إلى حد كبير مع مشروعات إسكان القطاع الخاص، لكن حكومة الانقلاب تمنح المواطنين بعض التسهيلات للحصول عليها".
أضاف «محمود» في تصريحات صحفية أن الوحدة تعتبر أصلاً عقارياً سيستفيد منه صاحبها، وأي جنيه يدفع فيها يعود بالنفع على صاحبها فيما بعد عند بيعها وسيحقق أرباحاً جيدة منها، وبالتالي حكومة الانقلاب أصبحت تتعامل مع الإسكان الاجتماعي بقواعد ومعايير الربحية الشبيهة بالقطاع الخاص من الناحية الاستثمارية، وتقوم بتحميل ارتفاع التكاليف على من سيشترى الوحدة.
وأشار إلى أن وحدات الإسكان الاجتماعي أصبحت بيزنس، خاصة مع وجود السماسرة والمسوقين العقاريين الذين يقومون بشراء الوحدات من الباطن من المواطن بعد استلامها، من أجل تسقيعها وبيعها فيما بعد بأضعاف ثمنها.
وتابع «محمود»: بعض مشروعات الإسكان الاجتماعي تقع في مناطق مميزة، وخاصة في شرق القاهرة بحدائق العاصمة والتجمع الخامس، وغرب القاهرة في أكتوبر الجديدة وحدائق أكتوبر، وبالتالي يستغل البعض هذه المواقع في شراء وحدات الإسكان الاجتماعي من أجل الاستثمار فيها وبيعها مستقبلاً، مشيراً إلى أن زيادة أسعار هذه الوحدات سينعكس على أسعار العقارات في السوق بشكل عام.