في خطوة وُصفت بالمفاجئة والمثيرة للجدل، أعلن تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه السعودية، عن الاستغناء شبه الكامل عن الممثلين والمخرجين والموسيقيين والفنيين المصريين في "موسم الرياض" المقبل، الذي ينطلق في أكتوبر ويستمر حتى مارس 2026. القرار جاء بعد سنوات من الاعتماد الكثيف على الكوادر المصرية، التي شكّلت العمود الفقري للموسم منذ انطلاقه عام 2019.
آل الشيخ أوضح أن الموسم الجديد سيعتمد على المواهب السعودية والخليجية، مع حضور محدود للمسرحيات السورية والعالمية، وهو ما اعتبره نقاد "استبعاداً صريحاً" للفن المصري، خاصة مع تجاهل المسرحيات المصرية لصالح السورية، في إشارة أثارت شبهة البعد السياسي للقرار.
أبعاد سياسية تحت السطح
يرى محللون أن تركي آل الشيخ لا يتحرك منفرداً، بل ينفذ قرارات تأتي من مستويات عليا في الدولة، ربما تعكس توتراً مكتوماً بين القاهرة والرياض. الاستعانة بالفنانين السوريين مثلاً، بينما يُستبعد المصريون، فسّرها البعض بأنها رسالة سياسية مرتبطة بملفات حساسة، على رأسها تنازل المنقلب السفيه السيسي عن تيران وصنافير، واعتقاده بأنه لم بجنِ مكاسب متكافئة مقابل تنازله عن الجزيرتين، في الوقت التي تزعم السعودية ان الجزيرتين، سعوديتين.
ويرى أحد رواد التواصل أن القرار "انعكاس لحسابات سياسية أكثر منه فنياً"، مشيراً إلى أن كلا النظامين لا يرغبان في التصعيد المباشر، بل يتركان المجال لمستويات أدنى – مثل آل الشيخ – للتعبير عن الخلاف.
بين استثمار سعودي و"سبوبة" مصرية
من الجانب الفني، يعتبر بعض النقاد أن الاستغناء عن المصريين كان مسألة وقت، بعدما استفادت السعودية من خبراتهم لبناء كوادرها المحلية. الناقد جمال عبد القادر شبّه الأمر ببدايات السينما المصرية التي تأسست على أكتاف الأجانب، قبل أن يتصدرها مصريون. لكنه أشار أيضاً إلى أن الفنانين والمنتجين المصريين ساهموا في إضعاف صناعتهم الوطنية، حين انشغلوا بعروض الخليج ذات الأجور الضخمة، ما أدى لانكماش الإنتاج المحلي.
هل يتضرر الفن المصري أم يستفيد؟
التأثير المباشر للقرار قد يكون سلبياً على دخل النجوم المصريين، لكنه قد يفتح فرصة لإعادة إحياء الدراما والمسرح المحلي إذا تراجع نجومه عن "السبوبة" وخفّضوا أجورهم. ومع ذلك، يشكك آخرون في قدرة السوق المصرية على الاستفادة من هذه الفرصة، بسبب غياب البنية الإنتاجية وضعف الاستثمار الثقافي.
احتكار ناعم وهيمنة على الساحة
قرار الاستبعاد لا يمكن فصله عن مسار طويل لهيمنة آل الشيخ على الساحة الفنية العربية، عبر عقود إنتاجية سخية واحتكار عروض ضخمة، ومنح أو منع المشاركة وفق اعتبارات شخصية أو سياسية. نفوذ الرجل أثار قلقاً مصرياً منذ سنوات، خصوصاً مع استضافة فنانين مثيرين للجدل في السعودية بينما كانوا ممنوعين من العمل في مصر.
سعودة الفن
سواء كان القرار جزءاً من "سعودة" صناعة الترفيه أو رسالة سياسية مبطنة للقاهرة، فإنه يعكس تغيراً في موازين القوى الثقافية بالمنطقة. السعودية تتحرك لتكون مركز الإنتاج الفني العربي، فيما تقف مصر أمام اختبار صعب: إما أن تستعيد زمام المبادرة وتعيد بناء صناعتها الفنية، أو تواصل التراجع أمام صعود المنافس الخليجي.