في وقت رصدت مراكز بحثية متخصصة في الإعلام، كمركز (إنسان للإعلام)، أن أكثر من 40 صحفياً وإعلامياً محبوسون في قضايا تتعلق بعملهم الصحفي، مع رسوخ اتهام "نشر أخبار كاذبة" ضمن محاضر نيابة أمن الدولة العليا، فإن تصريح السيسي على لسان المتحدث باسم "المقر الرئاسي" محمد الشناوي: "أكد السيد (…) السيسي… التزام الدولة الراسخ بإعلاء حرية التعبير"، يصبح نوعاً من "الهري" الذي طالب السيسي في وقت سابق بوقفه.
وتعترف نقابة الصحفيين، من بين 40 صحفياً وإعلامياً معتقلاً، بوجود 23 صحفياً مسجلين في جداولها بين "تحت التمرين" و"المشتغلين"، وبين من لم يتمكنوا من الانتساب لتخلفهم عن حضور جلسة القيد.
وتظاهر عشرات الصحفيين المصريين أمام نقابة الصحفيين بوسط القاهرة للمطالبة بإيقاف حبس الصحفيين والإفراج عن المعتقلين منهم.
ويبدو تصريح السيسي عن التزام الدولة بحرية التعبير شبيهاً، في وقاحته، بتصريح عمرو أديب في 30 يونيو، عندما زعم أن: "..الـ 5 أيام اللي فاتوا حرية التعبير في مصر كانت زي أي بلد في أوروبا"!
ويشبه أيضاً تصريح وزير خارجيته السابق سامح شكري في 11 يناير 2021 حين قال: "لا يوجد صحفي معتقل بسبب حرية التعبير"!
وبعد اجتماع خالد البلشي، نقيب الصحفيين، مع ما يسمى "رئيس المجلس الأعلى للإعلام" بيوم واحد، اجتمع عبد الفتاح السيسي، الأحد، مع كل من مصطفى مدبولي، وخالد عبد العزيز رئيس ما يسمى "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، والمهندس عبد الصادق الشوربجي رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، وأحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، مستثنياً نقيب الصحفيين، وهو يتحدث عن حرية التعبير، بينما لا يطيق حضور رمز للتعبير في مصر معبراً عن المهنيين في المجال!
وفي مايو 2020، قتل نظام السيسي شادي حبش لإخراجه أغنية تنتقد السيسي وتصفه بـ(بلحة)، فمات في محبسه، أو اغتيل، أو انتحر، وحتى الآن تاهت الأدلة. في حين أن الرئيس الشهيد د. محمد مرسي أنقذ صحفياً من الحبس عام 2012، وبات الصحفي إسلام عفيفي اليوم رئيساً لتحرير "أخبار اليوم"، يواصل دوره التعريضي للنظام، وربما كان السيسي يقصده برسوخ "حرية التعبير".
وقبل أسبوع واحد، كفلت نيابة أمن الدولة العليا الصحفية لينا عطا الله، رئيس تحرير موقع (مدى مصر)، بـ30 ألف جنيه، وذلك بعد تحويلها للنيابة للمرة الخامسة بزعم "نشر أخبار كاذبة"، وهو ما اعتبره حقوقيون محاولة متكررة لقمع حرية التعبير في مصر، البلد المصنف كثالث أسوأ سجان للصحفيين في العالم.
وجاء الاستدعاء مباشرة للصحفية بعد نشر تقرير عن إضراب المعتقلين في سجن بدر 3 كشف عن الأوضاع القاسية المستمرة لسنوات.
مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في 27 سبتمبر 2019، دعت النظام إلى احترام حرية التعبير، وقالت: "نحث السلطات في مصر على احترام الحق في حرية التعبير والحق في التجمع".
إلا أن السيسي، في يناير 2022، قال خلال مشاركته في منتدى شباب العالم إن مصر حريصة على حقوق الإنسان من "منظور فكري"، منتقداً "اختزال مفهومها في حرية التعبير والممارسة السياسية فقط"!
كما أعربت وزارة الخارجية الأمريكية، في مايو 2023، عن قلقها إزاء توجيه تهم تتعلق بممارسة حرية التعبير في مصر، وذلك تعليقاً على إدراج 4 صحفيين بشبكة الجزيرة على قوائم "الإرهاب".
الصحفي وجدي الكومي علّق على تصريح السيسي قائلاً: "خدام الصهاينة اجتمع بأحمد المسلماني ورئيس المجلس الأعلى للصحافة وبعدين طلع بأعلى تصريح مضحك. قال خدام الصهاينة (…) السيسي إنه ملتزم بإعلاء قيم حرية التعبير"!
وأضاف: "صح بأمارة محمد منير، زميلي الله يرحمه، اللي جرجروه وهو على المعاش على السجن في عز أزمة كورونا وتسببوا في موته.. وبأمارة عادل صبري اللي حبسوه سنين وبعدين طلعوه.. وبأمارة المترجم ورسام الكاريكاتير أشرف عمر اللي محبوس بقاله سنتين بتهمة رسم كاريكاتير في موقع المنصة ينتقد الأزمة الاقتصادية اللي تسبب فيها خدام الصهاينة رئيس جمهورية مصر العربية بالديون اللي حملها للبلد وقطم ضهرها".
وعلق الكومي أيضاً: "مصدقينك يا خدام الصهاينة، مصدقينك زي ما البت التافهة بنت الشاعر ما مصدقاك وعمالة تعرص لك".
وتحتل مصر مراتب متدنية على مؤشرات حرية التعبير وحرية الصحافة، وتمارس السلطات ضغوطاً متزايدة على الإعلام المستقل، تتراوح بين حجب المواقع والاعتقال، بما يؤكد أن الحريات، وخاصة الإعلامية، مقيدة وليست متاحة على أرض الواقع كما يدعي السيسي.
في مؤشر حرية الصحافة لعام 2025، الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" (RSF)، احتلت مصر المرتبة 170 من أصل 180 دولة، وهي مرتبة متدنية للغاية، تضعها ضمن الدول الأخطر على حرية الإعلام.
واحتلت مصر المرتبة السادسة عالمياً في حبس الصحفيين لعام 2024، بحسب آخر تقرير أصدرته لجنة حماية الصحفيين، وسبقها في الترتيب الصين وإسرائيل وميانمار وبيلاروسيا وروسيا.
وصنّف تقرير "فريدم هاوس" (Freedom House) الأخير مصر ضمن الدول "غير الحرة" (Not Free)، وحصلت على درجات منخفضة في الحقوق السياسية والحريات المدنية، ما يعكس بيئة عامة مضطربة في ما يتعلق بالتعبير والإعلام.
وقال التقرير إن "التعبير عن المعارضة قد يُعرّض صاحبه للملاحقة الجنائية والسجن"، وإن "الحريات المدنية، بما فيها حرية الصحافة وحرية التجمع، مقيدة بشدة".
كما أسست الأجهزة الأمنية شركة "المتحدة" التي استولت على شركات منافسة كان يرأسها أحمد أبو هشيمة، وجمعت تحت "المتحدة" جل الصحف والمواقع الإلكترونية والفضائيات، بحجة "ضبط المشهد الإعلامي"، إلى أن آلت ملكية معظم وسائل الإعلام إلى جهات مقربة من الأمن الوطني والمخابرات.
وحجبت السلطات عشرات، بل مئات المواقع المستقلة، لأسباب تجارية مثل "إيجي بست"، فضلاً عن موقعي "مدى مصر" و"المنصة" و"زاوية ثالثة".