بعد 12 عامًا على مذبحتَي رابعة والنهضة.. هل حلت “لعنة الدم” على المصريين؟

- ‎فيتقارير

 

في مثل هذا اليوم من أغسطس 2013، سالت دماء الآلاف من المعتصمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، في واحدة من أفظع المجازر التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث، لم يكن المشهد يومها مجرد فضّ اعتصام بالقوة، بل لحظة فاصلة في مسار البلاد، دفعت مصر بعدها إلى منحدر سياسي واقتصادي واجتماعي، ما زال يتعمق حتى اليوم.

 

ردود الفعل على المجزرتين.. من الإدانة إلى النسيان القسري

 

2013 – الصدمة والإدانة الدولية: موجة انتقادات واسعة من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومنظمات حقوقية كـ"هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، وصفت ما جرى بأنه "جريمة ضد الإنسانية".

 

2014 – تثبيت الرواية الرسمية: النظام أغلق الملف داخليًا، وشيطن الضحايا في الإعلام، مع إحكام السيطرة على القضاء.

 

2015-2020 – التعتيم والذاكرة المحاصرة: استمرت المطالبات الدولية بالتحقيق، لكنها تراجعت مع انشغال العالم بالأزمات الأخرى، فيما تمسكت السلطة بالرواية الأمنية.

 

2021-2025 – الإفلات من العقاب الكامل: لم يُحاسب أي مسؤول على المجزرتين، بل تمت ترقية قادة الأمن المتورطين، بينما يعاني آلاف المعتقلين من أحكام قاسية، أو ما يزالون قيد الإخفاء القسري.

 

 

واليوم، بعد مرور 12 عامًا، يتساءل كثيرون: هل أصابت لعنة الدم مصر؟

 

انحدار الحريات.. من القتل الجماعي إلى الخنق الكامل

 

منذ المذبحتين، تراجعت مؤشرات الحريات العامة، وتحوّلت البلاد إلى واحدة من أسوأ البيئات للعمل الصحفي والإعلامي في العالم. فبحسب تقارير دولية، أصبحت مصر ضمن المراتب الأخيرة في حرية الصحافة، مع إغلاق مئات المواقع الإخبارية، واعتقال الصحفيين والناشطين، وفرض رقابة صارمة على كل أشكال التعبير، حتى بات الحديث عن "المعارضة" أو "النقد" مجرد مسرحية محسوبة على هوى السلطة.

 

اقتصاد يترنح.. وديون تكسر الأرقام القياسية

 

لم تقتصر تداعيات الدماء على السياسة، بل امتدت إلى الاقتصاد.

فمنذ 2013، ارتفع الدين الخارجي من نحو 43 مليار دولار إلى أكثر من 165 مليار دولار، بينما تضاعف الدين الداخلي عدة مرات، وسط انهيار قيمة الجنيه، وقفز معدلات الفقر، واعتماد شبه كامل على القروض والودائع الخليجية.

ورغم الموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجي، تحولت مصر إلى دولة تستورد الغاز من الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن كانت تصدّره، في واحدة من أكثر المفارقات صدمة.

 

بيع الأراضي والموانئ.. مصر تحت المطرقة الخليجية

 

في السنوات الأخيرة، تسارعت صفقات بيع الأصول السيادية، من موانئ استراتيجية على البحر الأحمر والمتوسط، إلى جزر ومناطق استثمارية، لصالح الإمارات والسعودية. هذه الصفقات، التي جرى تسويقها باعتبارها "استثمارات"، يراها منتقدون تفريطًا غير مسبوق في سيادة الدولة، وتكريسًا لهيمنة رأس المال الخليجي على مقدرات مصر.

 

لعنة الدم التي لم تُمحَ

 

بعد 12 عامًا، يبدو أن الدماء التي أُريقت في رابعة والنهضة لم تجف في وجدان المصريين، بل تحولت إلى لعنة سياسية واقتصادية تطارد البلاد. من انغلاق المجال العام، إلى انهيار الاقتصاد، إلى التفريط في الأصول، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن لمصر أن تتعافى من جرح 14 أغسطس 2013، أم أن لعنة الدم ستظل تحكم حاضرها ومستقبلها؟