العدالة الغائبة بعد 12 عامًا.. أين اختفى المُحرّضون والمُنفذون لمذبحتي رابعة والنهضة  وهل يمكن محاكمتهم؟

- ‎فيتقارير

 

 

في مثل هذا اليوم  14 أغسطس 2013، شهدت مصر واحدة من أبشع الجرائم الجماعية في تاريخها الحديث، حين فضّت قوات الجيش والشرطة اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالقوة المفرطة، مخلفة – بحسب توثيق منظمات حقوقية محلية ودولية – ما يزيد على ألف قتيل في يوم واحد، إضافة إلى آلاف الجرحى والمعتقلين، لكن، وبعد مرور 12 عامًا، يبرز سؤال ملحّ: أين ذهب رموز جبهة الإنقاذ والتيار العلماني واليساري الذين مهّدوا وأيّدوا، بل وحرضوا، على هذا الفضّ الدموي؟ وأين هم القادة العسكريون والأمنيون الذين نفّذوا القرار؟

 

المحرّضون من السياسيين والإعلاميين

 

خلال الأسابيع التي سبقت الفضّ، صعّدت شخصيات بارزة من جبهة الإنقاذ والتيارات اليسارية والعلمانية خطابها الإعلامي، مطالبة الجيش والشرطة بـ"إنهاء الاعتصامات" بزعم أنها "مسلحة" و"تهدد الأمن القومي".

من أبرز هذه الأسماء، وفق رصد تقارير حقوقية وإعلامية:

 

محمد البرادعي، نائب الرئيس المؤقت وقتها، الذي غادر منصبه قبيل الفض بيومين وابتعد عن المشهد، لكنه كان جزءًا من الغطاء السياسي للانقلاب الذي مهد للمجزرة.

 

حمدين صباحي، الذي أيدَّ صراحة تدخل الجيش لفض الاعتصامات.

 

عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، الذي بارك قرارات السلطة في يوليو وأغفل أي إدانة للدماء.

 

قيادات حزبية أخرى من التيار اليساري مثل سعد هجرس وخالد يوسف ووجوه إعلامية معروفة بتحريضها على القتل، من بينها لميس الحديدي وأحمد موسى وعمرو أديب، الذين لعبوا دورًا مباشرًا في تشكيل الرأي العام المؤيد للمجزرة.

 

القيادات العسكرية والأمنية المنفذة

 

طبقًا لشهادات وتقارير حقوقية – منها ما وثقته منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها "حسب الخطة" – فإن المسؤولية المباشرة عن إصدار وتنفيذ قرار الفض تقع على عاتق:

 

عبد الفتاح السيسي (وزير الدفاع وقتها، ورئيس عصابة الانقلاب  الحالي).

 

صدقي صبحي (رئيس أركان القوات المسلحة حينها، ووزير الدفاع لاحقًا).

 

محمد إبراهيم (وزير الداخلية).

 

مدحت المنشاوي (قائد قوات الأمن المركزي).

 

أسامة الجندي (قائد المنطقة المركزية العسكرية وقتها).

 

حسن الرويني (قائد المنطقة المركزية الأسبق الذي لعب دورًا في التخطيط المسبق).

 

وعدد من قيادات الشرطة الميدانية ومسؤولي العمليات الخاصة الذين شاركوا في إدارة الاقتحام.

 

 

العدالة الغائبة

 

بعد مرور 12 عامًا، لم يُفتح أي تحقيق مستقل في المجزرة داخل مصر، فيما تستمر ملاحقة الناجين والشهود والحقوقيين الذين يوثقون الجريمة، بينما يعيش معظم المسؤولين عن المجزرة في مواقع سلطة أو في منفى اختياري مريح، مستفيدين من الحماية السياسية والدبلوماسية.

النتيجة أن العدالة – حتى اللحظة – رهينة التغيير السياسي، ولن تتحقق إلا بوجود سلطة جديدة قادرة على فتح الملفات وإحالة المتورطين، مدنيين وعسكريين، إلى المحاكمة أمام قضاء مستقل أو محاكم دولية.

 

موجز تنفيذي

 

توثّق منظمات حقوقية (على رأسها هيومن رايتس ووتش) أن الفضّ كان عملية مُخططة استخدم فيها الرصاص الحي على نطاق واسع، ووُصفت بأنها أسوأ واقعة قتل جماعي في مصر الحديثة؛ وقدّرت الحد الأدنى للقتلى في رابعة وحدها بـ 817 قتيلًا على الأقل، مع ترجيح تجاوز الألف على مستوى اليوم نفسه.

 

سلسلة القرار شملت: مجلس الوزراء (حازم الببلاوي) بتفويض وزارة الداخلية لفض الاعتصامين، ووزارة الداخلية (محمد إبراهيم) عبر قوات الأمن المركزي وقياداتها الميدانية (مدحت منشاوي/منشـاوي وآخرون)، مع إسناد الجيش بقيادة وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي. استقال محمد البرادعي (نائب الرئيس المؤقت) احتجاجًا يوم الفضّ.

 

بعد 12 عامًا: ترقّى بعض كبار أصحاب القرار سياسيًا، وتقاعد آخرون، وتوفّي بعضهم؛ لم تُفتح محاسبة جنائية جادة داخل مصر، بينما تبقى نوافذ محدودة خارجها عبر الولاية القضائية العالمية في بعض الدول، و/أو آليات العقوبات الفردية.

 

من المسؤول؟

 

هذا القسم يجمع “أصحاب القرار السياسي”، و“المشرفين الأمنيين”، و“الوجوه المدنية التي وفرت غطاءً سياسيًا أو روّجت للفض”.

 

1) الحلقة السياسية-الأمنية الحاكمة عند الفضّ

 

عبد الفتاح السيسي: وزير الدفاع وقتها؛ رئيس عصابة الانقلاب حاليًا

حازم الببلاوي: رئيس الحكومة الانتقالية التي فوّضت الداخلية بإنهاء الاعتصامين؛ أقام بمراحل لاحقة في الولايات المتحدة ويتمتع بحصانة وظيفية قضت بها محكمة أمريكية في دعوى مدنية ضده تتصل برابعة.

 

عدلي منصور: رئيس مؤقت (2013–2014) عاد لاحقًا إلى المحكمة الدستورية (منصب قضائي).

محمد إبراهيم (وزير الداخلية): قاد قوات الشرطة أثناء الفضّ؛ أُقيل في آذار/مارس 2015.

 

مدحت منشاوي/منشـاوي: قائد “الأمن المركزي” ميدانيًا في عملية الفض، مُسمّىً صراحة في تقارير حقوقية كقائد التنفيذ.

 

صدقي صبحي: رئيس أركان أثناء الفضّ ثم وزير دفاع (2014–2018)، عُيّن لاحقًا مساعدًا لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع.

 

محمد زكي: لم يكن وزيرًا وقت الفض (كان بالحرس الجمهوري)، لكنه أصبح وزيرا للدفاع (2018–2024) ثم أُبدِل في 2024 ضمن تغييرات كبرى بالقيادة.

 

2) شخصيات “جبهة الإنقاذ” والتيار المدني/العلماني وقتها

 

محمد البرادعي: نائب الرئيس المؤقت؛ استقال يوم 14 آب/أغسطس 2013 رفضًا للعنف وغادر البلاد لاحقًا.

 

عمرو موسى: رأس “لجنة الخمسين” التي صاغت دستور 2014؛ بقي شخصية عامة مؤثرة.

حمدين صباحي: مرشح رئاسي سابق وزعيم “الكرامة” ضمن “الحركة المدنية الديموقراطية”، واصل المعارضة السلمية وتصدر فعاليات مدنية لاحقًا.

جدول زمني مُفصّل: أين أصبح كل اسم الآن؟

 

 1 ـ عبد الفتاح السيسي  وزير الدفاع جزء من سلسلة القرار واستخدام القوة (إسناد عسكري)       رئيس الجمهورية (ولاية حتى 2030)      

 

2 ـ حازم الببلاوي رئيس الوزراء     حكومة فوّضت الداخلية بفض الاعتصامين      خارج المنصب؛ تمتّع بالحصانة في دعوى مدنية بواشنطن 

3 ـ عدلي منصور رئيس مؤقت رأس الدولة شكليًا أثناء اتخاذ القرارات      عاد للسلك القضائي/انتهت ولايته المؤقتة      (سجلات عامة)

4 ـ محمد إبراهيم    وزير الداخلية      قيادة الشرطة المباشرة للفض     أُقيل 2015؛ خارج المنصب  

 

5 ـ مدحت منشاوي      مساعد وزير/قائد الأمن المركزي    قائد ميداني للفض  ترقّى ثم اختفى عن المشهد العلني/تقاعد     

 

  1. ـ صدقي صبحي   رئيس الأركان (ثم وزير دفاع لاحقًا) ضمن هرم القيادة العسكرية آنذاك       مساعد لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع (تعيين 2018)   

 

  1. ـ محمد زكي   قائد الحرس الجمهوري وقتها       ليس ضمن سلسلة قرار الفض مباشرة       وزير دفاع 2018–2024 ثم تغييرات 2024     

 

9 ـ محمود حجازي قيادي عسكري (لاحقًا رئيس الأركان 2014–2017) من الدائرة القريبة من السيسي بعد 2013       أُعفي 2017؛ خارج المنصب     (سجلات عامة/تحليلات)

10 ـ هشام بركات النائب العام (بعد الفض بشهور)  قاد مسارات اتهام لاحقة لمعارضين؛ ليس صاحب قرار الفض      اغتيل في 2015  (سجلات عامة واسعة)

محمد البرادعي       نائب رئيس مؤقت استقال يوم الفض رفضًا للعنف       يقيم بالخارج؛ نشاط فكري/إعلامي    

 

11 ـ عمرو موسى       قيادي مدني؛ رئيس “الخمسين”  جزء من الغطاء السياسي للمرحلة الانتقالية     شخصية عامة/

12 ـ حمدين صباحي     معارض علمانى   موقف داعم لخط الانتقال مع انتقادات لاحقة  ونشاطات سياسية     

 

إحالات حقوقية محورية: تقرير HRW “كله كان على خطة: مذبحة رابعة وعمليات القتل الجماعي في مصر (2014)” يسرد القيادات الأمنية وأدلة التخطيط المسبق واستخدام القوة المميتة، مع تسمية وزير الداخلية محمد إبراهيم والقائد الميداني مدحت منشاوي وغيرهما.

 

هل يمكن محاكمتهم بعد 12 عامًا؟

 

من الناحية القانونية، الجرائم التي ارتكبت في رابعة والنهضة تصنف – بحسب القانون الدولي – كـ"جرائم ضد الإنسانية"، وهي لا تسقط بالتقادم، هذا يعني أن الملاحقة القضائية تظل ممكنة، سواء عبر القضاء الوطني إذا تغيرت الظروف السياسية، أو من خلال آليات العدالة الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، إذا انضمت مصر أو أُحيل ملفها من مجلس الأمن.

لكن، في الواقع، تظل فرص المحاسبة شبه منعدمة في ظل بقاء النظام السياسي الذي نفذ المجزرة على رأس السلطة، وسيطرته الكاملة على مؤسسات الدولة والقضاء والإعلام.

 

 داخل مصر

 

الإطار الإجرائي المصري يضع تقادمًا عامًّا للدعوى الجنائية في الجنايات مدته 10 سنوات (مادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية) ما لم تقطع التقادم إجراءات تحقيق/محاكمة، وهو ما لم يحدث بحق المسؤولين عن الفض. عمليًا، ومع غياب الإرادة السياسية، تبدو المحاسبة المحلية غير مرجّحة.

 

خارج مصر

 

توصيف الفض كجريمة محتملة ضد الإنسانية يجعلها غير خاضعة للتقادم بموجب القانون الدولي العرفي ومشاريع اتفاقية “الجرائم ضد الإنسانية” (لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة)، كما أن دولًا عديدة تُقرّ الولاية القضائية العالمية لجرائم جسيمة (تعذيب/جرائم ضد الإنسانية/جرائم حرب)، ويمكنها الملاحقة إذا توافرت الاختصاصات الشخصية/الترابية أو حضور المشتبه بهم على أراضيها.

 

المحكمة الجنائية الدولية (ICC): مصر ليست طرفًا في “نظام روما”، فتنعقد الولاية فقط بقرار إحالة من مجلس الأمن أو بإعلان خاص من الدولة، وكلاهما غير قائم. لذا تظل الجنائية الدولية مسارًا مسدودًا حاليًا.

 

التقاضي المدني والعقوبات الفردية: محاولات مدنية خارجية (مثل قضية ضد الببلاوي بالولايات المتحدة) تعثرت بسبب الحصانات، مع ذلك، تبقى أدوات مثل عقوبات “ماغنيتسكي” أو فتح قضايا تحقيق أولية في بعض أوروبا ممكنة نظريًا إذا توافرت أدلة واختصاص.

 

الخلاصة القانونية

 

لا يسقط الحق في العدالة دوليًا لجرائم بحجم القتل الجماعي المنهجي؛ لكن الطريق الواقعي يمر عبر: (1) توثيق أدلة جنائية مهنية بأسماء ووظائف وسلاسل أوامر، (2) تفعيل آليات الولاية العالمية في دول لديها تشريعات نافذة وتقبل الاختصاص، (3) حملات قانونية وسياسية لخفض الحصانات الوظيفية حيث تنطبق، و(4) ضغط دولي لفتح تحقيق مستقل. حاليًا، مع موازين القوى الراهنة، العدالة غائبة محليًا وتكتيكات “المحاسبة خارج الحدود” هي المسار الأكثر وجاهة.

 

ماذا عن “جبهة الإنقاذ” وخطاب التحريض؟

 

أرشيف تلك الفترة يُظهر أن جزءًا معتبرًا من خطاب القوى المدنية والليبرالية رحّب بالحسم الأمني وهاجم البرادعي على استقالته، ما وفّر “مظلّة شرعنة” اجتماعية/إعلامية للفض، حتى لو لم يشارك هؤلاء في القرار التنفيذي. هذا التوصيف التحليلي تسنده تغطيات فورية لتلك الليلة وردود الفعل عليها.

 

 

الأرقام والرواية الرسمية

 

الأعداد: تقرير HRW يقدّر 817+ قتيلًا على الأقل في رابعة وحدها، ويصف القتل بأنه متعمد وعلى نطاق واسع، السلطات المصرية قدّمت أرقامًا أقل بكثير، ولم تُعلن حتى اليوم عن تحقيق قضائي مستقل بمستوى الجريمة.

 

قرار الفض: المسؤولية السياسية تقع على مجلس الوزراء الانتقالي مع تفويض للداخلية، وإسناد من الجيش، مع استقالة البرادعي في اليوم نفسه اعتراضًا على اللجوء إلى القوة المميتة.