بعد معركة الرسوم القضائية..الكشف الجنائي يحرم المصريين من حق التقاضى في زمن الانقلاب 

- ‎فيتقارير

 

بالتزامن مع ارتفاع رسوم التقاضي، قررت حكومة الانقلاب وضع شرط جديد يُهدد بحرمان الفئات الفقيرة من حقها في التقاضي، والمطالبة بحقوقها القانونية، الشرط الجديد يتمثل في إجراء “كشف جنائي” مقابل الحصول على أي ورقة أو مستند من المحاكم.  

القرار الصادر عن النيابة العامة لم يطلع عليه المواطنون، بل تم الكشف عنه عبر صفحات تابعة للعاملين بوزارة عدل الانقلاب على مواقع التواصل الاجتماعي، وينص على إلزام المواطنين بإجراء كشف جنائي عند طلبهم الحصول على بعض خدمات النيابة، أبرزها استخراج صورة رسمية من محاضر القضايا، أو الأحكام القضائية، أو الشهادات الصادرة من واقع الجدول.  

ويتضمن القرار أيضًا ضرورة إجراء الكشف الجنائي للتأكد من وجود أية مطالبات مالية مستحقة على المواطن من عدمه، قبل السماح له بالحصول على الخدمة المطلوبة. 

 

في المقابل اعتبر حقوقيون ومحامون أن القرار يمثّل انتهاكًا جديد للحق في الوصول إلى العدالة والمعلومات، باعتبار أن هذه الخدمات لا ترتبط بالضرورة بأي خلفية جنائية، مؤكدين أن اشتراط إجراء “كشف جنائي” يفتح الباب لتعقيد الإجراءات أمام المواطنين. 

وقالوا: إن "هذا الشرط يتزامن مع موجة ارتفاع الرسوم القضائية، ما يجعل المواطن يواجه منظومة متشابكة من الأعباء؛ رسوم تقاضي باهظة تُثقل كاهله، وإجراءات شرطية تُهدد حريته في حال وجود أحكام غيابية لم يُبلَّغ بها وتُضيف اشتراطات الكشف الجنائي حاجزًا جديدًا أمام أبسط الخدمات ويصبح المواطن، خصوصًا من محدودي الدخل، محاطًا بعقبات مالية وإدارية ؛ فحتى إن أراد الدفاع عن نفسه، قد يجد نفسه يسجن بسبب تشابه أسماء أو تأخر تحديث بيانات، ما يُسهم في تقويض ثقته في العدالة، ويثنيه عن المطالبة بحقوقه القانونية". 

 

حق دستوري 

 

في هذا السياق، أكد المحامي خالد الأنصاري أن القرار يطعن في صميم حق دستوري أصيل، موضحا أن حق التقاضي من أهم الحقوق التي كفلها الدستور والقوانين المحلية والاتفاقيات الدولية؛ لأنه أساس الاستقرار المجتمعي، ولا يجوز تقييده بأي صورة.  

وقال الأنصاري في تصريحات صحفية: إن "ربط تقديم خدمات للمتقاضين بإجراء كشف جنائي يُعد تقييدًا غير مبرر لحق أساسي، متسائلًا: كيف يُعقل أن يتوجه مواطن إلى النيابة لتقديم تظلم أو طلب قانوني، فيُفاجأ بإلقاء القبض عليه بسبب حكم غيابي؟ ".

وأشار إلى أن هذا الإجراء يُطبق فعليًا في بعض المحاكم، مثل المحكمة الاقتصادية، رغم عدم صدور قرار رسمي بذلك، ما أدى إلى حرمان بعض المتقاضين من ممارسة حقوقهم القانونية، وتحولهم إلى محل مساءلة أثناء طلب خدمة عدلية. 

وحذر الأنصاري من خطورة مركزية الإجراءات، موضحًا على سبيل المثال: إذا خضع مواطن للكشف في القاهرة وظهر حكم صادر بحقه في أسوان، يُحتجز ويُرحّل إلى النيابة المختصة بدلًا من تمكينه من الطعن من محل إقامته، وهو ما يناقض مبدأ العدالة.  

 

عواقب خطيرة 

 

وأشار إلى أن هناك ثغرات فنية في أنظمة الكشف الجنائي، مثل تشابه الأسماء أو تأخر تحديث الأحكام المنفذة، ما قد يعرّض أبرياء لمساءلة قانونية جسيمة، فعلى سبيل المثال إذا صدر لمواطن حكم طرد، فذهب للطعن عليه أمام المحكمة، فجرى حبسه بسبب تشابه اسمه مع مُدان في محافظة أخرى، ففقد بذلك فرصة الدفاع عن حقه، ونُفّذ الحكم ضده دون أن يُمنح فرصة للطعن. 

وأكد الأنصاري أن مثل هذه القيود قد تؤدي إلى عواقب اجتماعية خطيرة، من بينها تصاعد الشعور بالظلم وارتفاع معدلات الجريمة نتيجة انسداد سبل العدالة، مشددًا على أن الدستور ينص بوضوح على حماية هذا الحق، في مواده 85، 92، و97. 

 

قرارٌ مَعِيبٌ 

 

وقالت المحامية عزيزة الطويل، من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: إن "القرار يمثل انتهاكًا صريحًا لمبدأ تكافؤ الفرص والحق في الوصول إلى العدالة، مؤكدة أن القرار معيب ومخالف للدستور، لأن الأصل هو تمكين المواطنين جميعًا من حقوقهم بلا تمييز، خاصة حق التقاضي وإنفاذ القانون".  

وحذرت عزيزة الطويل في تصريحات صحفية من أن القرار قد يحرم غير القادرين من استخراج أوراق قانونية ضرورية، لمجرد احتمال وجود حكم غيابي ضدهم، وهي أحكام كثيرًا ما تصدر دون إعلان قانوني سليم مؤكدة أن مواطنين كثيرين يُفاجئون بوجود قضايا لم يُبلَّغوا بها، من لحظة التبليغ وحتى صدور الحكم، نتيجة ثغرات في نظام الإخطار، ما يؤدي إلى حرمانهم من حقوقهم بسبب إجراءات لم يكونوا على علم بها. 

وأشارت إلى أن القرار سيُقصي تحديدًا الفئات الأكثر فقرًا وتهميشًا، خاصة أولئك الذين لا يملكون أتعاب محاماة ويضطرون للقيام بإجراءاتهم بأنفسهم، متوقعة أن يمنع هؤلاء من دخول النيابات أو المحاكم، التي تتحول بفعل القرار إلى ما يشبه الكمين، ويُعرَّضون للتوقيف أو الترحيل دون أي استعداد قانوني .  

 

تنفيذ الأحكام 

 

وشددت عزيزة الطويل على أن النيابة، بحكم دورها، ليست جهة لتنفيذ الأحكام، بل من المفترض أن تكون أداة لتمكين الحقوق، لا عائقًا أمامها. محذرة من أن تأثير القرار قد يمتد إلى جهات أخرى، مثل مجلس الدولة، حيث يُمنع بعض المتقاضين من تنفيذ أحكام صادرة لصالحهم بسبب مطالبات مالية سابقة، وغالبًا ما يُطلب منهم سدادها قبل الطعن، وهو ما يُخالف مبدأ العدالة، وتضرب مثالًا بحالة حكم قضى بتعيين شخص، لكنه لم يُنفذ لأن عليه مطالبة مالية قديمة تراكمت عليها فوائد وصلت إلى ملايين الجنيهات، ما جعل سدادها شرطًا للحصول على حقه. 

وأوضحت أن خطورة الكشف الجنائي، تتمثل في التوقيف بسبب تشابه الأسماء، أو الترحيل دون فرصة للاستعانة بمحامٍ، أو إجبار المواطن على معارضة حكم دون تجهيز دفاعه، محذرة من أن هذا النوع من القيود يُضعف ثقة المواطنين في منظومة العدالة، ويُفاقم شعورهم بالظلم والتهميش، ما قد يؤدي إلى آثار اجتماعية خطيرة تمس الاستقرار وتزيد من معدلات الجريمة.