رغم انكشاف دوره واتهامات متكررة له باستغلال معاناة سكان غزة، يواصل إبراهيم العرجاني – رجل الأعمال المقرب من نظام المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي، وواجهة نجله محمود – احتكار عمليات نقل المساعدات الإنسانية والبضائع إلى القطاع المحاصر، وسط تساؤلات عن سر تمسك السلطة به، وهل تحصيل العوائد المالية بات أولوية للنظام على حساب تجويع الفلسطينيين؟
منذ اندلاع الحرب الأخيرة، أصبح معبرا رفح وكرم أبو سالم تحت منظومة صارمة، تتحكم فيها إسرائيل سياسياً وأمنياً، فيما أوكلت مصر عملياً مهمة النقل لشركات العرجاني، وعلى رأسها "أبناء سيناء". هذه الشركات حصلت على عقود بملايين الدولارات لتجهيز وتغليف وشحن المساعدات، متجاوزة شركات مصرية أخرى، في عملية احتكار واضحة، بدعم رسمي من القاهرة.
إسرائيل تعرقل… والعرجاني يستفيد
وفق شهادات سائقي الشاحنات، كثيراً ما تتذرع سلطات الاحتلال بضبط مواد مثل السجائر أو المعسل أو الهواتف لعرقلة دخول القوافل كاملة، بينما تسمح أحياناً بمرور بضائع تخص تجاراً محددين. هذه الانتقائية تفتح الباب أمام استفادة أطراف بعينها، في مقدمتهم العرجاني، الذي يهيمن على السوق الإغاثي والربحي في وقت واحد.
اللافت أن شركات تابعة للجنة المصرية في غزة، مثل "الأقصى للتأمين"، ترتبط مباشرة بالعرجاني، وتمتلك أسطولاً من الشاحنات والمسلحين لحماية عمليات النقل، وتعمل في مناطق يمنع على المدنيين الفلسطينيين دخولها، في مشهد يعكس "خصخصة" العمل الإغاثي لمصلحة مجموعة ضيقة من رجال الأعمال.
احتكار مُغطّى بخطاب رسمي
الإعلام الرسمي في مصر يقدم المشهد على أنه "جهد وطني منظم"، عبر قوافل "زاد العزة" التي يشرف عليها الهلال الأحمر والتحالف الوطني، لكن الأرقام تكشف أن ما يدخل فعلياً لا يتجاوز نصف الشاحنات المقررة، وأن آلاف الشاحنات الجاهزة تنتظر، بينما يزداد الجوع في غزة يوماً بعد يوم، مع وفاة المئات بسبب سوء التغذية.
المال مقابل المعاناة
تطرح هذه المعطيات سؤالاً مركزياً: لماذا يصر السيسي على الإبقاء على العرجاني واجهة نقل المساعدات رغم الانتقادات؟ الإجابة الأرجح أن الملف تحول إلى مصدر دخل ضخم لشبكة مصالح ضيقة، بينما يستخدم الاحتلال العراقيل لتعميق الأزمة وتجويع السكان، في تلاقٍ نادر بين مصلحة الاحتلال والاحتكار المحلي.
مصادر فلسطينية ومصرية تؤكد أن إسرائيل تستخدم ذرائع أمنية – مثل ضبط سجائر أو معسل أو هواتف – لتعطيل قوافل كاملة من المساعدات، بينما تسمح بمرور بضائع تجار مقربين، وعلى رأسهم شبكة العرجاني، ما يعكس تواطؤاً سياسياً واقتصادياً بين الاحتلال وبعض الجهات النافذة في مصر.
شركة "أبناء سيناء" المملوكة للعرجاني باتت المتحكم الأول في عمليات النقل والتجهيز، بعد حصولها على عقود حصرية مع منظمات دولية ودول عربية، متجاوزة عشرات الشركات المصرية الأخرى. العرجاني –الذي يترأس أيضاً اتحاد القبائل العربية في سيناء – عينه السيسي قبل عامين عضواً بالجهاز الوطني لتنمية سيناء، ومنحه نفوذاً واسعاً في المعابر، جعله واجهة اقتصادية لأجهزة سيادية، وفي مقدمتها جهاز المخابرات العامة بقيادة محمود السيسي.
التحكم لا يقتصر على النقل فقط، بل يمتد إلى التأمين داخل غزة عبر شركة "الأقصى للتأمين"، التي تديرها شبكة رجال أعمال على صلة وثيقة بالعرجاني، وتملك شاحنات ومجموعات مسلحة لحماية الشحنات في مناطق حساسة برفح والمواصي.
في المقابل، تحاول وسائل الإعلام الرسمية في مصر تلميع الصورة، بالإشارة إلى قوافل "زاد العزة" التي يشرف عليها الهلال الأحمر المصري والتحالف الوطني للعمل الأهلي، لكنها تتجاهل أن ما يدخل فعلياً لا يتجاوز نصف الكميات المقررة، وأن آلاف الشاحنات المجهزة تنتظر الإذن بالعبور، بينما تحصد شركات العرجاني أرباحاً طائلة من كل يوم تأخير.
السؤال الذي يفرض نفسه: إذا كان الشعب الغزّاوي يموت جوعاً بسبب إغلاق المعابر واحتكار المساعدات، فهل يعني هذا أن أولوية نظام السيسي ليست إنقاذ الأرواح، بل حماية شبكة المصالح التي تربط رجاله –وفي مقدمتهم العرجاني – باقتصاد الحصار؟