فيما تحتفل حكومة المنقلب السفيه السيسي بتراجع معدل النمو السكاني بوصفه "إنجازاً" وفق خططها المعلنة، يشير خبراء ومراقبون إلى أن السبب الحقيقي وراء هذا التراجع هو الضغوط الاقتصادية الحادة وعزوف الشباب عن الزواج والإنجاب.
أعلن نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة بحكومة الانقلاب، خالد عبد الغفار، انخفاض المتوسط اليومي للمواليد من 5385 إلى 5165 مولوداً، معتبراً أن ذلك "تحقيق للهدف من الاستراتيجية القومية للسكان للتحكم في معدلات الزيادة السكانية وتحقيق التنمية المستدامة".
لكن خبراء الاقتصاد والاجتماع يرون أن هذا التراجع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بسياسات الحكومة الاقتصادية منذ اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، والتي شملت تعويم الجنيه خمس مرات منذ 2016، ورفع أسعار الوقود والطاقة، وفرض ضرائب ورسوم جديدة. كل ذلك أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، وعزوف كثير من الشباب عن الزواج، وارتفاع معدلات الطلاق نتيجة الضغوط الأسرية الناجمة عن الغلاء.
المحاسب محمود فهمي (27 عاماً) من القاهرة قال: "شباب مصر يعاني من تآكل الدخل مع كل تعويم للجنيه، والإيجارات السكنية تبدأ من أربعة آلاف جنيه شهرياً، وهو نصف راتبي تقريباً. الرواتب بالكاد تكفي للاحتياجات الأساسية، ما يجعل فكرة الزواج أو تكوين أسرة أمراً مستحيلاً". وأضاف: "حلم أي شاب هو السفر للخارج لبناء مستقبله أولاً، ثم التفكير في الزواج، لأن الواقع الاقتصادي في مصر لا يسمح بخلاف ذلك".
ووفق بيانات وزارة الصحة، انخفض معدل الإنجاب من 3.5 أطفال لكل امرأة عام 2014 إلى 2.41 طفل عام 2024، فيما سجلت محافظات أسيوط وسوهاج وقنا والمنيا وبني سويف أعلى معدلات للمواليد، مقابل محافظات مثل بورسعيد ودمياط والدقهلية والغربية والإسكندرية الأقل معدلات.
كما أظهرت الإحصائيات الرسمية تراجع عدد المواليد من 2.72 مليون عام 2014 إلى 1.96 مليون عام 2024، أي بتراجع قدره 27.9%، في حين ارتفعت حالات الطلاق بنسبة 20.7% خلال الفترة من 2020 إلى 2023.
أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، سامية صالح، قالت إن "الضغوط الاقتصادية لعبت دوراً أساسياً في عزوف الشباب عن الزواج، إلى جانب انتشار الإحباط، وارتفاع أسعار العقارات، وصعوبة الحصول على فرص عمل مناسبة، مما يدفع البعض إلى التفكير في الهجرة لتأجيل فكرة الزواج".
وتشير الأرقام إلى أن نسبة الشباب المتعطلين بلغت 6.1% من إجمالي القوى العاملة، ويشكل حملة المؤهلات المتوسطة والجامعية 78.2% من إجمالي المتعطلين، ما يزيد من الصعوبات الاقتصادية ويضعف قدرة الشباب على الانخراط في الحياة الزوجية وتكوين أسر.
في النهاية، يبدو أن ما تصفه الحكومة "انخفاضاً مرغوباً في النمو السكاني" هو في واقع الأمر انعكاس لفشل السياسات الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، ما دفع الشباب إلى التراجع عن الزواج، وتراجع معدل المواليد إلى أدنى مستوى له منذ 50 عاماً.