عاد توني بلير إلى المشهد الدولي، هذه المرة في قلب نقاشات إدارة ملف غزة بعد الحرب، حيث التقى بمستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الشرق أوسطية، ستيف ويتكوف، لتقديم توصياته المشتركة مع جاريد كوشنر حول إدارة مرحلة ما بعد الحرب، في اجتماع وصفه البعض بأنه أشبه بـ"ندوة لإعادة رسم مصير غزة والقضاء على حركة حماس".
ويرتبط اسم رئيس الوزراء البريطاني السابق وصهر ترامب بخطط التهجير القسري للفلسطينيين، حيث حضر بلير وكوشنر اجتماعًا مساء الأربعاء في البيت الأبيض لعرض الخطط الأمريكية والإسرائيلية لمستقبل غزة بعد الحرب، وذلك بعد تصريحات ترامب التي توقّع فيها أن تنتهي الحرب في غضون "أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع"، فيما أكد ويتكوف أن الحرب قد تستمر حتى نهاية العام.
منذ 2015، تعاقد بلير مع الإمارات عبر مؤسسة بلير للإستشارات، وقدم مخطط الإبراهيمية لمحمد بن زايد، كما يُعتقد أنه قدم استشارات لنظام السيسي حول ملفات حساسة تتعلق بالأمن القومي المصري مثل سد النهضة وغيرها.
في الإعلام الأمريكي، لم يتردد بلير في إظهار موقفه، حيث قالت الكاتبة آش ساركار: "سبب مشاركته؟ لأن الشيطان لم يكن متاحًا". فيما وصف الأكاديمي فايز أبو شمالة عبر منصة (إكس) بلير وكوشنر بأنهما "اخبث وأقذر وأحقر اثنين على وجه الأرض"، محذرًا من مؤامرة البيت الأبيض ضد غزة.
البيت الأبيض: ماذا يخطط لـ "اليوم التالي"؟
تحليل "مركز إنسان للإعلام" كشف أن الهدف المعلن هو صياغة مقترح جديد لتحرير الأسرى الإسرائيليين مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، إلا أن الخطة تحمل دلالات أوسع، تتمثل في إعادة فتح نافذة لإسرائيل لمواصلة الحرب تحت شعار "القضاء على حماس".
ورغم دعوات نتنياهو المتكررة لـ"إبادة حماس"، تلقّت هذه المطالب رفضًا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حيث وصف نائب رئيس الموساد السابق ران بن براك الحديث عن "إبادة حماس" بأنه هراء يخدم مصالح شخصية، فيما أكد الصحفي الأمريكي جيريمي سكاهيل أن فرصة استسلام حماس "صفر"، وأنها حركة تحرر متجذرة في المجتمع الفلسطيني.
ووفق التصريحات الأخيرة لمسؤولين إسرائيليين، يبدو أن أي اتفاق محتمل سيكون مؤقتًا، يركز على استعادة الأسرى، مع إبقاء الباب مفتوحًا للعودة إلى العمليات العسكرية. ويتكوف أشار إلى أن الخطة ستعكس "الدوافع الإنسانية للرئيس ترمب"، لكنه شدد على استبعاد حماس عن أي دور في الحكومة المستقبلية، بما يتماشى مع الرؤية الإسرائيلية.
أما القيادي في حماس عزت الرشق، فاعتبر تصريحات ويتكوف مجرد "صدى لرواية الاحتلال"، مؤكدًا أن الحركة وافقت مسبقًا على مقترح الوسيطين المصري والقطري، وأن التعطيل كان نتيجة تعنت الاحتلال وتجهيزه لتدمير غزة.
معادلة جديدة: استمرار الحرب مقابل غطاء أمريكي
التحليلات تشير إلى أن البيت الأبيض يسعى لتثبيت معادلة جديدة: إعادة الأسرى الإسرائيليين، تجريد حماس من الشرعية السياسية، ومنح إسرائيل غطاءً لمواصلة الحرب حتى نهاية العام. ورغم الضغوط الدولية لتقديم مخرج إنساني، يبدو أن إدارة ترمب تحاول الجمع بين هدفين متناقضين: إرضاء إسرائيل وضمان استمرار الحرب، وتهدئة الرأي العام الدولي عبر خطة تظهر إنسانية على سطحها.
ووفق الخبراء، أي خطة تتجاهل حقيقة جذور المقاومة الفلسطينية مصيرها الفشل، واستمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج المقاومة بأشكال جديدة، تاركًا "طبخة البيت الأبيض" مفتوحة على احتمالات الفشل أكثر من النجاح.
صدى بلير في الداخل الفلسطيني
رئيس السلطة محمود عباس كان قد صرّح قبل أسابيع بأن "حماس لن تحكم غزة بعد الحرب"، داعيًا الحركة لتسليم سلاحها والانخراط في العمل السياسي ضمن برنامج منظمة التحرير. وعلّق الكاتب ياسر الزعاترة ساخراً على تصريحات عباس بأن "الأوامر تُصدر للحركة من خلال توني بلير"، معتبرًا أن سياسة الانحياز الأمريكي للإحتلال تُحمل بلير وكوشنر دور "بدائل الشيطان" في رسم مصير غزة، بينما تبقى تهديدات الاستيطان والتهجير، وعربدة المستوطنين اليومية، خارج اهتمام السلطة والرئيس الفلسطيني.