تتواصل أزمة عشرة أشخاص من أبناء النوبة فى السجون السعودية منذ أكثر من أربع سنوات، دون أن يلقوا أي دعم يُذكر من دولة العسكر، رغم صدور أحكام قاسية ضدّهم دون مبرر وصلت إلى السجن 18 عاما.
يأتى ذلك بالتزامن مع تكليف سفارة الانقلاب في لندن، محامين والتدخّل العاجل للإفراج عن أحمد عبد القادر ميدو رئيس ما يسمى بـ "اتحاد شباب مصر بالخارج"، المقرّب من نظام الانقلاب، الذي أُلقي القبض عليه بتهمة حيازة سلاح أبيض ومحاولة اعتداء؛ فى حين أن أبناء النوبة ترفض سلطات الانقلاب الدفاع عنهم بل تتآمر مع السعودية على الزج بهم فى السجون بتهم مفبركة ولا أساس لها .
حرب أكتوبر
يُشار إلى أن القضية تعود إلى 25 أكتوبر 2019، حين قرّرت الجمعية النوبية في الرّياض تنظيم ندوة بمناسبة ذكرى حرب "السادس من أكتوبر"، تضمنت صورا لعدد من العسكريين النوبيين الذين شاركوا في الحرب، بينهم: المشير محمد حسين طنطاوي، إلاّ أن السلطات السعودية اعتبرت النشاط "تجمعا غير مرخّص"، وبدأت حملة اعتقالات انتهت في يوليو 2020 باعتقال عشرة أشخاص.
وظلّت أماكن احتجازهم مجهولة لشهرين، قبل أن يسمح لهم بالتواصل الهاتفي مع عائلاتهم من داخل سجن الحائر بالرياض، ثم تنقلوا بين سجني أبها والحائر عدة مرات. وفي نوفمبر الماضي، انطلقت مُحاكمة المقبوض عليهم، أمام المحكمة الجزائية المتخصّصة، التي أصدرت أحكامًا قاسية بحقهم.
بحسب أسر المعتقلين، صدرت الأحكام على النحو التالي:
محمد فتح الله شاطر: 18 عامًا.
فرج الله أحمد يوسف: 16 عامًا.
هاشم شاطر وعادل سيد إبراهيم: 14 عامًا لكل منهما.
بينما تراوحت الأحكام على الستة الآخرين بين 10 و12 عامًا.
جمعية غير مرخصة
السلطات السعودية تتّهم النوبيين بـ"إنشاء جمعية غير مرخصة"، وتأييد جماعة الإخوان، مع نشر شائعات على فيسبوك، وتنظيم تجمّع بدون تصريح، وهي اتهامات اعتبرتها منظمات حقوقية "فضفاضة" و"لا تستند إلى أفعال تستحق العقاب .
فى هذا السياق قال معتز أحمد حسن إسحاق، شقيق وائل إسحاق،: "مفيش جهة رسمية في الموضوع، لا السفارة المصرية في الرياض ولا الخارجية ولا وزارة الهجرة سألوا عن أولادنا، ولا حاولوا يقدموا لهم دعم قانوني. هل السبب أنهم نوبيين؟ .
وأكد معتز أنّ شقيقه لم يتواصل مع عائلته سوى عبر ثلاث مكالمات هاتفية فقط، آخرها قبل أكثر من عام، حتى أنه لم يعلم بوفاة والده.
وكشف مؤمن فتح الله، شقيق المعتقل محمد فتح الله، أنّ العائلات حاولت مرارا توكيل محامين، لكنهم اصطدموا إما بالرفض أو بالتكاليف الباهظة، لتنتدب المحكمة لاحقًا محامين على نفقتها .
منظمات حقوقية
طالبت ثماني منظمات حقوقية مصرية ودولية، بينها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، بالإفراج عن النوبيين العشرة، ووصفت الأحكام الصادرة عن "محكمة استثنائية" بأنها جائرة، ولا تراعي معايير المحاكمة العادلة.
كما أدانت تلك المنظمات تقاعس حكومة الانقلاب عن التدخل، معتبرة أنّ القنصلية المصرية في الرياض تنصّلت من مسئوليتها حين أصدرت بيانًا برّرت فيه الموقف بأنّ القوانين السعودية لا تسمح بإنشاء جمعيات للجاليات الأجنبية .
مفارقة صارخة
من جانبه قال الناشط النوبي، حمدي سليمان، إنّ هناك مفارقة صارخة بين مغترب يمارس البلطجة ضد أبناء جاليته المسالمين، رافعا شعارات وطنية بالية، وبين مواطنين نوبيين لم يفعلوا سوى مُمارسة حقهم الطبيعي في التعبير عن حبهم لوطنهم والاعتزاز بانتصاره المجيد .
وأضاف سليمان فى تصريحات صحفية: الجمعيات النوبية في السعودية ليست وليدة اللحظة، بل هي أقدم واجهة مصرية مسجلة هناك منذ ستينيات القرن الماضي، وكانت تتولى بتنظيم من السفارة المصرية بالرياض مهمة الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وغالبا ما كانت الهيئات السعودية تشاركهم وتكرمهم تقديرا لدورهم الثقافي والاجتماعي .
وتابع: المشهد انقلب رأسا على عقب؛ نجد نظام السيسي ينقلب على النوبيين كعادته وقرر حظر احتفالاتهم في القاهرة والإسكندرية، وحاصر قراهم وجزرهم في أسوان، وهدد أصحاب المراكب السياحية بسحب تراخيصهم إن نظموا أي فعاليات نيلية
صورة السيسي.
وأشار سليمان إلى أن السفارة المصرية بالرياض حرّضت ضد رموز نوبية هناك، مطالبة السلطات السعودية باعتقالهم قبيل احتفالهم بذكرى نصر أكتوبر، وعندما سئل بعضهم: لماذا لم ترفع صورة السيسي في لافتة الاحتفال؟ كان ردهم البديهي أنه لم يكن أحد رموز ذلك النصر، إذ كان وقتها مجرد تلميذ في المدرسة ورغم ذلك، قضوا شهرين خلف القضبان قبل الإفراج عنهم وإدراج أسمائهم لاحقًا على قوائم منع السفر .
وأكد أنّ الاعتقالات تجدّدت لاحقا، فتمّت مداهمة منازل نوبيين وزجّ بهم في سجون أبها والحائر لأشهر طويلة، دون توجيه تهم واضحة، ودون توفير محامين أو رعاية قنصلية، وانقطعت أخبارهم عن ذويهم، ورفض محامون سعوديون الدفاع عنهم، فيما تخلت السفارة المصرية عنهم بحجة مخالفة القانون .
وقال سليمان إنّ عائلات المعتقلين يعيشون بلا معيل، بعضهم رحل دون أن يودع أبناءه، وآخرون رزقوا بأطفال لم يروهم، فيما واجه المعتقلون اتّهامات جاهزة مثل الانضمام لجماعة إرهابية أو تمويل الإرهاب، وهي تهم لا علاقة لها برجال قضى بعضهم نصف أعمارهم في خدمة المملكة والسفارة المصرية والاحتفاء بالوطن، دون أن يسجل على أحدهم حتى مخالفة مرورية واحدة .
واعتبر أن المفارقة المؤلمة أنّ دولة العسكر هرعت للدفاع عن بلطجية في أوروبا وصفتهم بالشرفاء، بينما تعامل النوبيين الشرفاء كخطر وتهديد، وتشيطنهم في الإعلام، وتبثّ رسائل بأن كل نوبي مشكوك في ولائه. هكذا صار النوبيون أسرى داخل حدود الوطن ومطاردين خارجه .