مرة أخرى، يجد المصريون أنفسهم في مواجهة قرارات رفع أسعار الخدمات الأساسية ـ الكهرباء والغاز والمياه ـ التي تفرضها حكومة الانقلاب بشكل متكرر ودون إعلان شفاف، متجاهلة واقع الفقر المدقع الذي تعيشه أغلبية الشعب، وسط سياسة ممنهجة لإلغاء الدعم وتحويله إلى دعم نقدي محدود لا يغطي أبسط الاحتياجات.
فبينما نقلت نشرة إنتربرايز الاقتصادية، اليوم الثلاثاء، عن مصدر حكومي قوله إن الزيادات المقررة على الكهرباء ستؤجَّل إلى نهاية 2025، أكد مصدر آخر في وزارة الكهرباء لموقع مصراوي أن الزيادة ستطبَّق فوراً على فاتورة سبتمبر/أيلول الجاري، بنسب تتراوح بين 15 و25% على الشرائح الأولى، وتصل إلى 45% على الشرائح الأعلى استهلاكاً، أي أن ملايين الأسر ستجد نفسها أمام أعباء جديدة بلا إنذار.
هذا التضارب الرسمي يكشف ـ بحسب محللين ـ عن إصرار النظام على فرض زيادات متواصلة، وإن حاول تغليفها بذرائع "السيطرة على التضخم" أو "تخفيف عبء الموازنة". فقد أكد وزير الكهرباء محمود عصمت خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير أن تكاليف إنتاج الكهرباء أصبحت عبئاً لا يمكن للوزارة تحمله، مطالباً بسرعة تمرير الزيادة.
البرلمان من جهته لم يخفِ الأمر، إذ صرّح رئيس لجنة الخطة والموازنة فخري الفقي أن خطة النظام تقوم على رفع أسعار الطاقة والمحروقات دورياً كل 3 أشهر وربطها بالأسعار العالمية، مؤكداً أن الدعم سينخفض بنسبة تفوق 50% خلال عامين فقط، أي أن ما تبقى من دعم محدود للمحروقات والكهرباء والسلع الغذائية سيجري تصفيته بالكامل.
المفارقة أن وزارة الكهرباء رفعت الأسعار بالفعل بين أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2024 بنسبة 14–40% متأثرة بتعويم الجنيه وارتفاع تكلفة الإنتاج، ورغم ذلك ما زال النظام يتحدث عن زيادات جديدة، وحتى الغاز الطبيعي المورَّد للصناعة لم يسلم، لكن الحكومة بررت تأجيل رفعه مؤقتاً بذريعة "الحفاظ على مسار التضخم".
وفي خضم هذه القرارات، تتجه الدولة أيضاً إلى تحرير سوق الكهرباء عبر فصل الشركة المصرية لنقل الكهرباء عن القابضة، تمهيداً لفتح الباب أمام القطاع الخاص، بما يعني عملياً خصخصة قطاع حيوي آخر يسيطر على حياة المصريين اليومية.
النتيجة الواضحة أن المواطن الفقير والمتوسط هو من يدفع الثمن، فيما يواصل النظام تحميل الشعب كلفة سياساته الاقتصادية الفاشلة، بينما يوجّه المليارات لمشاريعه الكبرى غير ذات الجدوى، ويصر على إدارة ملف الخدمات بمنطق "الجباية" لا "الرعاية".