توصلت ورقة تحليلية المعهد المصري للدراسات إلى أن خاتمة الضربة "الإسرائيلية" على الدوحة ليست حادثاً عابراً، بل إعلان دخول الصراع مرحلة جديدة تعتمد القوة المطلقة، دون اتخاذ إجراءات سياسية، اقتصادية، وعسكرية حقيقية، لن يكون هناك ردع فعال، وستبقى الأمة العربية والإسلامية عُرضة لتوسعات الاحتلال وتنفيذ المخططات الاستراتيجية الإسرائيلية.
وأكدت الورقة أن السؤال الأساسي : هل تمتلك الدول العربية والإسلامية الإرادة والقرار المستقل للضغط الجاد على إسرائيل وردعها عن المضي قدماً في مخططاتها الإستراتيجية؟
الوضع قبل العملية
وأشارت الورقة إلى مؤشرات استخبارية نقلتها تقارير غربية ،وتصريحات قيادات حماس أكدت أن تركيا ومصر، منذ أسابيع وليس قبل الضربة مباشرة كما نُقل عن بعض المصادر، حذرتا المكتب السياسي للحركة؛ أن قواعد الاشتباك قد تغيرت "إسرائيلياً"، وأن استهداف القيادات السياسية، سواءً في قطر أو تركيا، أصبح وارداً وطالبتهم بتوخي الحذر، في حين كانت القواعد السابقة تفرق بين السياسي والعسكري، وأشارت إلى أنه يبدو أن الجانب "الإسرائيلي" كسر هذا التمييز.
وعن إجراءات المقاومة قبل العملية أشارت الورقة إلى اتباع حماس تدابير أمنية أكثر تشدداً في أعقاب المعلومات التي وردتها، في تنقلاتها واجتماعاتها، وهو ما يبدو أنه ساهم في إفشال محاولة الاغتيال لوفد التفاوض، حسبما أعلنت الحركة، واقتصر الأمر على استشهاد 5 من أعضاء الحركة، بينهم مدير مكتب الحية، فضلاً عن نجله، إضافة إلى أحد عناصر الأمن القطري، مع وجود عدة إصابات غير معروفة العدد.
وأنه في أعقاب فشل المحاولة، اختفت جميع قيادات حماس في الدوحة وفقاً لإجراءات أمنية معقدة كما تم إعلانه، ولم يمكن التواصل مع أحد منهم، إلا أنه تم إعلان أن خليل الحية قام بالمشاركة في الصلاة على نجله الشهيد وشارك في تشييعه إلى مثواه، إلا أنه لم ترشح أي صور فوتوغرافية عن هذه المشاركة ونشرت فقط صورة أرشيفية، ما حدا بالبعض للتشكك في رواية نجاة القيادات من القتل أو الإصابة، رغم تأكيد الحركة بأنهم جميعاً بخير.
ثغرة خطيرة
وكشفت الدفاعات القطرية بحسب الورقة عن ثغرة خطيرة، تتعلق بما تملكه قطر من منظومة متطورة من الرادارات والدفاعات الجوية، قادرة نظريًا على اكتشاف التهديدات من مسافات بعيدة، ومن بين هذه الشبكة رادارAN/FPS-132 Block-5 الذي يُعدّ العمود الفقري لقدرات الإنذار المبكر القطرية، بالإضافة إلى منظومة باتريوتPAC-3الأمريكية بأحدث نسخها، فضلًا عن عدد من المقاتلات الجوية الحديثة متنوعة الطرازات، وأنه مع هذه الإمكانيات، عجزت قطر عن كشف الطائرات الصهيونية التي دخلت وخرجت من مجالها الجوي دون رصد أو اعتراض، موضحة أن الثغرة لها تفسيران رئيسيان:
الأول-ضعف الجاهزية القتالية: فربما تفتقر القدرات القطرية إلى مستوى التشغيل الفعلي المطلوب، وتعاني من ثغرات في الأداء العملي.
الثاني-تعطيل متعمد للمنظومات: أن يكون هناك من عطّل منظومات الرادار والدفاع الصاروخي قبل بدء الهجوم، وهو ما يستدعي فتح تحقيقات دقيقة لكشف الأسباب (إذا كانت بالتشويش وهجوم سيبراني أو بقرار أمريكي من قبل القوات الأمريكية العاملة على تلك المنظومات داخل قطر) أو الجهات المتورطة.
دلالات الاستهداف
وعن دلالات الاستهداف قالت الورقة: إنها "تثبت تحوُّل قواعد الاشتباك، والتورط الدولي حيث التعاون الاستخباري واللوجستي الغربي، خاصة الأمريكي، ويمكن البريطاني أيضاً، وثالثا؛ الوهن العربي بالانقسام والتراجع وضعف الردع حيال مخططاتها التوسعية في المنطقة بأسرها، وسقوط المسار السياسي من جانب التسوية السياسية غير المجدية، والقوة العسكرية هي الأداة الأساسية لفرض المخطط الصهيوني المتكامل في جميع أنحاء المنطقة".
خطوات محتملة
وتوصلت الورقة إلى أن المحتمل (من وجهة نظر)، أن تكون خطوات "إسرائيل" التالية في إطار “علوها الكبير” على النحو التالي:
العمل على استكمال السيطرة العسكرية على قطاع غزة بشكل كامل، وتهجير أكبر قدر ممكن من سكانه، سواء إلى مصر، أو إلى مناطق أخرى.
العمل على ضم الضفة الغربية، وتهجير أكبر قدر من سكانها أيضاً، مع استهداف الأردن إذا استلزم الأمر، كما تشي الحشود الكبيرة التي تضعها إسرائيل على الحدود مع الأردن في الوقت الراهن.
استكمال السيطرة على الجنوب اللبناني والسعي للقضاء التام على حزب الله وعلى أية مقاومة للتواجد الإسرائيلي هناك.
توجيه ضربة ساحقة ثانية لإيران، تستهدف مقدراتها الصاروخية، وتستهدف أيضاً القضاء على النظام الإيراني القائم وإنهاء أي تهديد يأتي من الجانب الإيراني.
الاستمرار في سياسة الاغتيالات وملاحقة قادة المقاومة في كل مكان، بما في ذلك قطر مرة ثانية، وتركيا.
الاستمرار في استهداف اليمن، وربما استهداف مناطق في العراق في مرحلة لاحقة.
التوسع في السيطرة على مناطق في الجنوب السوري، وتوسيع نطاق ما يسمى بممر داود للوصول إلى نهر الفرات مما قد يترتب عليه من صدام عسكري مع تركيا على أرض سورية.
الدخول في صراع عسكري مع مصر، قد ينتهي بإعادة احتلال سيناء، وإثارة الفوضى في مصر.
تواجد المقاومة الفلسطينية في الدوحة
وعن نتائج الضربة على صعيد المقاومة، قالت: إن "التحدي المفصلي هو: الاستمرار في التواجد والعمل في الدوحة بالشكل الذي كان سائداً في السنوات الأخيرة، وسواءً ترتب على ذلك مغادرة قيادات حماس للدوحة بطلب قطري أو بقرار ذاتي من حماس لغياب القدرة الواقعية على العمل والفاعلية".
وأضافت الورقة "الاحتمال الآن أصبح قائماً وكبيراً، ما يستوجب دراسة البدائل أمام الحركة، وهي ليست كثيرة أو متاحة بشكل كبير، فالتواجد في تركيا أو في مصر قد يعرضها لمخاطر مماثلة لما تواجهه الآن في الدوحة، وغير ذلك تبقى البدائل للعمل السياسي الفعال محدودة".
الخليج ودول الطوق
وأشار الباحث إلى أن الخليج استيقظ من وهم كبير، اسمه التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة لتوفير الحماية الأمنية، في واقع الأمر، هذه “الحماية” المزعومة لم يتم تفعيلها حينما ضربت الدوحة مرتين في عام واحد من قبل إيران وإسرائيل، ولا عندما ضربت السعودية والإمارات من الحوثيين، وتوقف نصف إنتاج السعودية من النفط بشكل كامل لبعض الوقت نتيجة هذه الضربات.
وأضاف أن دول الطوق العربي (مصر وسوريا والأردن ولبنان، وصولا لليمن والعراق) وتركيا وإيران، تتعرض لتهديدات حقيقية لأمنها القومي، بل قد يصل هذا التهديد حتى باكستان، وهذا يفرض على هذه الدول السعي لفرض منهجية جديدة في التعامل مع هذه التحديات.
توصيات استراتيجية
وقال " المعهد المصري: " إنه يمكن اتخاذ بعض الخطوات الجادة لتلجيم “العربدة الصهيونية، بما في ذلك
قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل و تعليق العمل بجميع اتفاقيات السلام وإلغاء ومنع كل أشكال التطبيع".
إجراءات اقتصادية صارمة، مثل المقاطعة الاقتصادية وفرض حظر شامل على استخدام إسرائيل للمجال الجوي والبحري والبري الخاص بالدول العربية والإسلامية، مما يدخل إسرائيل في حالة حصار تام، يمكن أيضاً التهديد بقطع الاستثمارات والعلاقات مع الشركات التي تتعامل مع إسرائيل.
إعلان حماس حركة تحرر وطني بدلاً من تصنيفها كحركة إرهابية، مع تأكيد حق قياداتها في الدفاع عن الأراضي المحتلة بكل الوسائل.
الضغط بكافة الوسائل لوقف الحرب في غزة وإدخال المساعدات لإنهاء حالة المجاعة والمأساة الإنسانية لأهل القطاع.
تطوير مشروع تسليحي عربي مشترك يتضمن تركيا وإيران وباكستان لخلق معادلة ردع ميدانية حقيقية، يشمل منظومات صاروخية باليستية وفرط صوتية، أصبح امتلاك منظومات صاروخية باليستية وفرط صوتية بتصنيع عربي مشترك ضرورةً إستراتيجيةً للأمة العربية؛ فامتلاك قوة ردع قادرة على إطلاق وابل صاروخي بشكل متزامن ومن اتجاهات متعددة سيضع العدو أمام معادلة جديدة، تكبح تغوّله وتجعله يدرك أن أي تجاوز سيفضي إلى نهايته من الجغرافيا والتاريخ، إيران تمكنت بجهد ذاتي من تطوير مشروع صاروخي متقدم، باليستي وفرط صوتي، ما جعلها في مصاف الدول القوية بهذا المجال الاستراتيجي، مع فتح الدول العربية قنوات تواصل جادة ومتقدمة مع روسيا والصين وإبرام صفقات عسكرية متقدمة معهم.
الضغط على المحكمة الجنائية الدولية لتسليم ومحاكمة الإسرائيليين المتورطين في جرائم الحرب ضد المدنيين.
ومن المهم أيضاً على دول الخليج أن تعيد تقييم علاقاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة بما في ذلك إعادة النظر في مبدأ الاعتماد التام على الولايات المتحدة في تقديم المظلة الأمنية التي ثبت مراراً وتكراراً عدم جدواها.