تعيش سوق العقارات المصرية في ظل الانقلاب العسكرى واحدة من أكثر مراحلها قتامة وارتباكاً، بعدما حوّلها حكم العسكر إلى أداة جباية ونهب لصالح الجنرالات، تحت ذريعة "الأمن القومي". فالأراضي التي كانت مخصصة للمواطنين والمستثمرين سُحبت لصالح شركات تابعة للجيش، ليصبح حصول شاب مصري على شقة حلماً مستحيلاً؛ فالشقة التي كان ثمنها قبل سنوات 250 ألف جنيه، باتت اليوم تتجاوز المليون ونصف، بفعل احتكار العسكر للأراضي ومواد البناء كالحديد والإسمنت.
هذه السياسات أوصلت القطاع العقاري إلى حافة الانهيار، وسط موجة إلغاءات، وركود في المبيعات، وشروط مصرفية قاسية تخنق التمويل، مع تصاعد المخاوف من انفجار "فقاعة عقارية" قد تطيح بما تبقى من الاستقرار الاقتصادي.
نهب منظم واحتكار مطلق
الجيش الذي يسيطر على مساحات شاسعة من أراضي الدولة، يفرض إتاوات مفاجئة على المطورين العقاريين، ويقتطع أراض سبق تخصيصها، ليحول القطاع إلى رهينة بيد عصابة عسكرية لا تعبأ بقدرة المواطنين الشرائية. ومع تحكم المؤسسة العسكرية في أسعار مواد البناء، تضاعفت التكلفة بشكل جنوني، وانهارت آمال الأسر البسيطة في امتلاك مسكن، بينما صارت المضاربات هي السمة الغالبة على السوق.
صراع الكبار.. الضحية المواطن
شهدت الأسابيع الأخيرة ملاسنات بين كبار المطورين العقاريين في مصر، كشفت عن خلل هيكلي عميق في السوق. فبينما يتمسك كبار المستثمرين بأسعار خيالية للدولار عند تسعير وحداتهم (100 جنيه للدولار)، ينهار صغار المطورين تحت وطأة تكاليف البناء وصعوبة التمويل، ليضطر بعضهم لخفض الأسعار 40% عند الدفع النقدي، أو تقديم تسهيلات غير مسبوقة وصلت إلى إلغاء المقدم تماماً ومد فترات السداد إلى 12 عاماً، في محاولة يائسة للنجاة.
بورصة العقارات تنهار
الأزمة انعكست مباشرة على البورصة المصرية، حيث فقد القطاع العقاري بريقه، وتراجعت أسهم الشركات الكبرى إلى مستويات متدنية، رغم محاولاتها جذب السيولة عبر توزيعات هزيلة، كما فعلت "مجموعة طلعت مصطفى" التي وزعت 30 قرشاً فقط على السهم بالتقسيط، ما أثار غضب المتعاملين.
فقاعة التسعير والطلب
انفجرت الأزمة منذ انهيار الجنيه في مارس/ آذار 2022، حين هرع المصريون إلى العقارات كملاذ آمن، ما خلق "فقاعة تسعير" غير مسبوقة. لكن بعد صفقة بيع مدينة رأس الحكمة التي وفرت للنظام 35 مليار دولار، هدأ الدولار نسبياً، وبدأت موجة إلغاءات واسعة للعقود، لتنكشف هشاشة الطلب وتتعاظم المخاوف من الانهيار.
أزمة متفجرة بلا حلول
الخبراء يحذرون من أن استمرار احتكار الجيش للأراضي ومواد البناء، وتدخل الدولة عبر قرارات جباية مفاجئة، يُضاعف الأزمة ويغلق أبواب الحلول. ومع صراع الكبار والمضاربات الجنونية، بات القطاع العقاري أشبه بـ"رجل مريض" يترنح على شفا سقوط كارثي، يدفع ثمنه المواطن البسيط، بينما يواصل العسكر جني المليارات من قوت الشعب وأحلامه في مسكن كريم.