في الوقت الذي حذّر فيه البنك الدولي من دخول مصر مرحلة شبيهة بالشيخوخة الأوروبية، يحمّل خبراء السياسات الفاشلة لنظام المنقلب السفيه السيسي مسؤولية إهدار أهم ميزة استراتيجية امتلكتها البلاد لعقود: الهبة الديموغرافية.
فرغم وجود قاعدة شبابية ضخمة كان يمكن أن تتحول إلى قوة إنتاجية وابتكارية قادرة على إحداث طفرة اقتصادية، فإن غياب الرؤية والاستثمار الحقيقي في التعليم والتدريب وفرص العمل جعل هذه الطاقة تتحول إلى عبء اجتماعي واقتصادي.
4 مخاطر كشفتها التحولات السكانية
الباحث في التحليل وقياس الرأي العام مصطفى خضري أوضح أن مصر تسير نحو أربعة مخاطر مترابطة نتيجة الإهمال الحكومي:
1. انكماش القوة العاملة المستقبلية بسبب انهيار معدل الإنجاب من 3.5 طفل لكل سيدة عام 2014 إلى 2.41 في 2024، ما يعني أن سوق العمل سيفتقر إلى الأيدي العاملة خلال عقدين.
2. ارتفاع عبء الإعالة، إذ يعيل كل 100 شخص في سن العمل 59 آخرين، ومع تضاعف نسبة كبار السن بحلول 2050، سيزداد الضغط على الأجيال العاملة.
3. انهيار أنظمة التقاعد، حيث تعتمد صناديق المعاشات على اشتراكات تقل مع تراجع المواليد وتزايد أعداد المتقاعدين، ما يضعها على حافة الإفلاس.
4. أزمة صحية متفاقمة مع ارتفاع متوسط الأعمار وزيادة احتياجات المسنين للرعاية الصحية، دون أي تطوير حقيقي للبنية التحتية الطبية.
من الهبة إلى النقمة
رئيس مركز "تكامل مصر" للدراسات الإعلامية والرأي العام أكد أن مصر تضيع تدريجياً ميزتها الشبابية. فبينما تبلغ نسبة الشباب (18-29 سنة) نحو 21% من السكان، فإن بطالتهم بلغت 14.9% عام 2024، وقفزت إلى 37.1% بين الإناث. أي أن جيل كامل من المبدعين ورياديي الأعمال تحول إلى عاطلين بفعل غياب سياسات التشغيل والتنمية.
أسرع من أوروبا.. وبلا مقومات
يحذر البنك الدولي من أن مصر تتجه نحو الشيخوخة بوتيرة أسرع من أوروبا، لكن دون الموارد الاقتصادية التي مكنت تلك الدول من احتواء الأزمة. المفارقة أن القاهرة، بدلاً من استثمار الميزة السكانية كما فعلت دول آسيوية نهضت بالاعتماد على الشباب، انشغلت في مشروعات وهمية وعاصمة إدارية وقصور رئاسية، تاركةً التعليم والصحة وسوق العمل ينهارون.
تضييق قاعدة الهرم السكاني
رغم أن مصر ما تزال "فتية" (31.2% تحت 15 عاماً مقابل 5.9% فوق 65 عاماً في 2025)، فإن الانخفاض الحاد في المواليد لأقل من مليوني مولود في 2024 لأول مرة منذ 17 عاماً يعني بداية تضييق قاعدة الهرم السكاني، لتتحول الهبة الديموغرافية إلى قنبلة موقوتة.
فشل استراتيجي
الخبراء يجمعون على أن مصر تقف أمام منعطف ديموغرافي حاسم، لكن بدل أن تتحول كتلتها الشبابية إلى محرك للابتكار والتنمية، تُركت نهباً للبطالة واليأس والهجرة. هذا الفشل، بحسب المراقبين، ليس مجرد خلل إداري، بل جريمة استراتيجية ارتكبها نظام السيسي بتبديد فرصة تاريخية لن تتكرر.
إن لم يتم تدارك الأمر بسياسات جذرية تستثمر في التعليم والتوظيف وتعيد بناء أنظمة المعاشات والصحة، فإن مصر ماضية نحو مستقبل مظلم: شيخوخة أوروبية بموارد أفقر، واقتصاد يترنح تحت عبء سكان بلا إنتاجية.