تشهد مدن المغرب في الأيام الأخيرة موجة متصاعدة من المظاهرات الغاضبة، يقودها شباب ما يُعرف بـ "جيل زد 212"، في مشهد يُذكّر بكثير من تفاصيل الشرارة الأولى لثورة 25 يناير المصرية عام 2011، حين خرج الشباب إلى الشوارع متحدّين القبضة الأمنية، ورافضين سياسات السلطة التي تجاهلت احتياجاتهم الأساسية.
بداية الغضب وانتشاره
انطلقت شرارة الاحتجاجات من الدار البيضاء، حيث خرجت مجموعات من الشباب إلى الساحات العامة واشتبكوا مع قوات الشرطة وأغلقوا طرقًا رئيسية. وسرعان ما امتدت المظاهرات إلى ما لا يقل عن 11 مدينة مغربية، من بينها الرباط وطنجة ومراكش، رافعة شعارات منددة بـ"الفساد"، ورافضة أولوية الحكومة في تمويل أحداث رياضية دولية على حساب الصحة والتعليم.
شعارات تُعيد للأذهان "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"
الهتافات المغربية بدت قريبة جدًا من شعارات المصريين في 2011. فقد ردد المحتجون:
"الملاعب موجودة، لكن أين المستشفيات؟"
"الشعب يريد.. الصحة والتعليم"
شعارات مباشرة تعكس وعيًا سياسيًا واجتماعيًا لدى هذا الجيل، الذي يرى أن استثمارات الدولة الضخمة في ملاعب كأس العالم 2030 وكأس الأمم الإفريقية المقبلة، لا يقابلها أي تحسن في حياة الناس اليومية، بل تدهور في قطاعي الصحة والتعليم.
تعتيم إعلامي عربي.. خوفًا من عدوى الثورة
ورغم ضخامة الحراك واتساع رقعته، فإن وسائل الإعلام الرسمية العربية التزمت الصمت المطبق، مكتفية بتغطيات سطحية إن لم تتجاهل المشهد تمامًا. مراقبون يرون أن هذا التعتيم ليس بريئًا، بل يخفي خشية الأنظمة العربية من أن تتكرر "عدوى الثورة" التي انتقلت سريعًا من تونس إلى مصر في 2011، ثم امتدت إلى ليبيا واليمن وسوريا. واليوم، يخشى كثيرون أن تصبح المغرب بوابة عودة الربيع العربي بنسخته الثانية، خاصة وأن الشعوب العربية "تأكل الهم معًا" كما يقول المثل: "أكلنا في الهم عرب".
جيل جديد يقود المشهد
المفارقة الكبرى أن ما يُسمى بـ "جيل زد" هو الذي يقود هذه المظاهرات. وهم شباب وُلدوا بين أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، جيل رقمي بامتياز، نشأ في فضاء الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لكنه قرر أن ينقل معركته من الشاشات إلى الشوارع.
يتميز هذا الجيل بقدرته على التنظيم السريع عبر المنصات الرقمية، ومزج العمل الافتراضي بالفعل الميداني، وهو ما يجعل تجربته أكثر خطورة على الأنظمة التي اعتادت التعامل مع المعارضين عبر القمع أو التهميش الإعلامي.
هل تتكرر ثورة 25 يناير من المغرب؟
المشهد المغربي اليوم يعكس ملامح ثورة قيد التشكل: غضب شعبي واسع، قيادة شبابية، مطالب اجتماعية واضحة، واصطدام مباشر مع الأجهزة الأمنية، في ظل صمت إعلامي رسمي.
وإن كان الحراك ما يزال في بداياته، إلا أن كثيرين يرون أن المغرب قد يشهد انطلاقة جديدة لربيع عربي مؤجل، خاصة إذا استمر إصرار الشباب على الشارع، واستمرت الحكومات في تجاهل المطالب الملحة للشعوب.