في مشهد يعكس خلل منظومة العدالة الانتقائية في شبه دولة السفيه السيسي، قضت محكمة جنايات بنها بالسجن المشدد ست سنوات على سائق القطار رقم 949، الذي تسبب انقلابه في مصرع 25 مواطنًا بينهم أطفال، وإصابة أكثر من 150 آخرين، فيما تمّ تجاهل المسئول الأول عن المنظومة التي تكررت فيها الكوارث الدموية — وزير النقل كامل الوزير بحكومة الانقلاب — رغم تصاعد حوادث القطارات في عهده بشكل غير مسبوق.
القضية التي تعود تفاصيلها إلى حادث قطار طوخ في 18 إبريل/نيسان 2021، خلّفت وراءها مشاهد مروعة لهياكل العربات المحطمة وضحايا تفحمت أجسادهم على القضبان، وأثارت وقتها غضبًا واسعًا في الشارع المصري، قبل أن يُطوى الملف كغيره بتحميل "السائق" وحده المسئولية.
ووفق منطوق الحكم الصادر مؤخرًا، أدانت المحكمة السائق عبد السلام محمد صبري إبراهيم بالسجن المشدد 6 سنوات، وتغريمه 20 ألف جنيه، وإلزامه برد 9.4 مليون جنيه، مع عزله من وظيفته لمدة ثلاث سنوات بعد تنفيذ العقوبة، على خلفية تعطيله عمدًا جهاز التحكم الآلي (ATC) المسئول عن فرملة القطار في حالات الطوارئ.
غير أن مراقبين رأوا أن القضية أُغلقت عند الحلقة الأضعف، في وقت تغافلت فيه العدالة عن محاسبة كبار المسئولين، وعلى رأسهم وزير النقل كامل الوزير، الذي شهدت فترته أعلى معدلات لحوادث القطارات في تاريخ الهيئة القومية لسكك حديد مصر.
ويشير مراقبون إلى أن تحميل السائق وحده المسئولية يتجاهل الإهمال المؤسسي المزمن، بدءًا من غياب منظومة الإشارات الإلكترونية الحديثة التي كان يمكن أن تمنع الكارثة، مرورًا بالفساد الإداري وسوء الصيانة والتقادم الفني في القطارات.
حوادث متكررة في عهد كامل الوزير
الحكم جاء في وقت تتزايد فيه المطالب بمحاسبة وزير النقل كامل الوزير، الذي تحوّل قطاع السكك الحديدية في عهده إلى مقبرة مفتوحة للمصريين. فخلال ثلاث سنوات فقط، شهدت مصر سلسلة من الكوارث الدموية، أبرزها:
مارس 2020: تصادم قطارين في سوهاج أودى بحياة 32 شخصًا وأصاب أكثر من 160 آخرين.
أبريل 2021: حادث قطار طوخ الذي راح ضحيته 25 شخصًا.
يونيو 2021: انقلاب قطار الإسكندرية – القاهرة أسفر عن إصابة 40 مواطنًا.
مارس 2022: خروج قطار منيا القمح عن القضبان في الشرقية، مخلفًا إصابات بالعشرات.
ورغم هذه الحوادث المتكررة، لم يُقدَّم الوزير أو أي من كبار مسئولي الهيئة إلى المحاكمة، في وقتٍ تُحمِّل فيه السلطة العمال والسائقين كامل المسئولية.
السيسي يرفض تطوير الإشارات: «نحطهم في البنك أحسن!»
اللافت أن عبد الفتاح السيسي نفسه كان قد رفض مشروع ميكنة إشارات القطارات الذي تبلغ كلفته نحو 10 مليارات جنيه، قائلًا في مقطع فيديو شهير: اكهرب واعمل ميكنة العشرة مليار دول لو حطتهم في البنك وخدت عليهم فايدة 10% يعني مليار جنيه
تصريحٌ صادم يعكس أولويات نظام يُفضل الفوائد البنكية على أرواح المصريين، ويحوّل الكوارث المتكررة إلى مجرد أرقام على الورق، فيما تتوالى الحوادث من البدرشين إلى سوهاج وطوخ دون محاسبة حقيقية.
وفي تفاصيل القضية رقم 11122 لسنة 2023 جنايات مركز بنها، أثبتت التحقيقات أن السائق عبث بمعدات القطار وشارك في تزوير نماذج تشغيل وسجلات فنية، شملت دفاتر حركة القطارات ونماذج الصيانة، لتبدو الأوراق نظامية رغم غياب الفحص الفني. لكن تلك المخالفات، على فداحتها، لا تُخفي مسئولية الإهمال الحكومي الممنهج الذي مهّد الطريق للحادث.
ورغم الوعود الرسمية بتطوير قطاع السكك الحديدية "خلال عامين"، لم يتحقق شيء ملموس سوى تحميل العمال والسائقين المسئولية في كل مأساة، بينما يستمر الوزير في منصبه، ويواصل النظام تسويق مشروعات تجميلية بلا أثر حقيقي على أمان الركاب.
هكذا يُحاكم "السائق"، بينما يبقى من أعطى الأوامر وخذل المنظومة خارج قفص الاتهام، في مشهد يعكس جوهر العدالة في دولة الانقلاب: الفقراء يدفعون الثمن، والكبار فوق الحساب.