شهدت الأسواق المصرية، السبت، حالة غير مسبوقة من الاضطراب، مع ارتفاع قياسي في أسعار الذهب وتثبيت غامض لسعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، رغم قرار البنك المركزي بخفض الفائدة بنسبة 1%.
هذا التناقض الفجّ بين هبوط الفائدة وصعود الذهب واستقرار الجنيه يعكس ـ وفق مراقبين ـ طبيعة الاقتصاد في عهد عبدالفتاح السيسي، حيث تتحكم عصابات مالية مرتبطة بدائرة الحكم في مفاصل السوق، بعيدًا عن أي منطق اقتصادي أو قواعد عرض وطلب حقيقية.
احتكار منظّم برعاية عائلية
وبلغ سعر غرام الذهب عيار 24 نحو 5971 جنيهاً للبيع (نحو 125 دولاراً) و5942 جنيهاً للشراء، بينما سجل عيار 21 الأكثر تداولاً 5200 جنيهاً للشراء و5225 جنيهاً للبيع. كما قفز سعر الجنيه الذهب إلى نحو 41800 جنيه، وسط توقعات باستمرار الارتفاع خلال الأيام المقبلة.
ورغم التبريرات الرسمية بربط الصعود بالأسعار العالمية وتزايد الإقبال على الذهب كملاذ آمن، فإن خبراء اقتصاد معارضين يؤكدون أن السوق المحلية تُدار باحتكارٍ منظم لصالح مجموعة من كبار التجار المقربين من السلطة، تحت حماية شقيق السيسي، المستشار أحمد السيسي، الذي تشير مصادر مصرفية إلى أنه يشرف بشكل غير مباشر على شبكات تجار الذهب في مصر، ما جعل الأسعار خارج السيطرة الحقيقية للعرض والطلب.
وقال الخبير الاقتصادي المعارض د. محمود صادق، إن "ما يجري في سوق الذهب ليس تفاعلاً طبيعياً مع الاقتصاد العالمي، بل انعكاس مباشر لسيطرة دائرة السيسي العائلية على تجارة المعدن النفيس عبر واجهات تجارية وإعلامية متنفذة"، مضيفاً أن "الارتفاع الجنوني للذهب أحد مظاهر اقتصاد الريع والفساد الذي يغيب عنه أي شكل من أشكال الرقابة أو الشفافية".
شبه دولة.. بلا معايير اقتصادية
ويرى اقتصاديون أن استقرار الجنيه أمام الدولار رغم خفض الفائدة ليس دليلاً على قوة الاقتصاد، بل على التدخل الأمني المباشر في السوق ومنع حركة العملات الحرة، مشيرين إلى أن هذه السياسات المصطنعة لا يمكن أن تصمد طويلاً أمام ضغوط الدين والتضخم.
وقال مصدر حقوقي معارض إن "نظام السيسي خلق طبقة احتكارية جديدة تسيطر على الذهب والعقارات والمواد الخام، لتتحول الدولة إلى سوق مغلق تديره عائلة السيسي وشركاؤها العسكريون"، مشيراً إلى أن ذلك "يقتل أي فرصة للتنافس الحر أو الاستثمار الحقيقي، ويحوّل الاقتصاد المصري إلى اقتصاد عائلي بوليسي يخدم قلة محدودة على حساب الشعب".
بورصة ترتفع.. وجيوب المواطنين تفرغ
وفي المقابل، أنهت البورصة المصرية أسبوعها على ارتفاع جماعي لمؤشراتها، إذ صعد المؤشر الرئيسي EGX30 بنسبة 3.45% ليغلق عند نحو 36,900 نقطة، فيما ارتفع مؤشر EGX70 بنسبة 2.59%. لكن مراقبين يعتبرون أن تلك المكاسب "ورقية"، تعكس عمليات ضخ أموال حكومية ومؤسسية لتلميع صورة الأداء الاقتصادي في ظل التراجع الفعلي لقوة الجنيه الشرائية وتآكل الدخول.
مفارقة الاقتصاد المصري
بين ارتفاع الذهب واستقرار الجنيه، تتجلى مفارقة الاقتصاد المصري في عهد السيسي: أسواق بلا منطق، ومؤشرات بلا مصداقية، وسلطة تحتكر كل شيء حتى المعدن الأصفر.
ففي زمن "شبه الدولة"، كما وصفها السيسي نفسه، لم يعد الاقتصاد المصري يحكمه علم أو قانون، بل ولاء وشبكات نفوذ عائلية تحوّل ثروات المصريين إلى غنيمة تُقتسم بين المقربين من السلطة.