فوجئ المصريون بفيضان نهر النيل الذى تسبب فى غرق بعض المحافظات وشرد السكان دون سابق إنذار ودون استعداد .. هذا الفيضان ليس من صنع المطر كما هو معتاد ، بل صناعة اثيوبية ناتجة عن فتح بواباتٌ سد النهضة وتصريف مليارات الأمتار من المياه دون سابق إنذار، فى خطوة أحادية جعلت فيضانات النيل قرارا سياسيا تُختبر به إرادة الشعوب والدول .
ورغم ما تسبب فيه الفيضان من كوارث إلا أن حكومة الانقلاب لم تتخذ موقفا ضد اثيوبيا كما أنها لم تتخذ أى اجراءات لحماية المصريين الذين شردهم الفيضان
هكذا أصبح سد النهضة يتحكم فعليًا فى تدفق شريان الحياة لدول المصب، دون وجود اتفاق ملزم يحدد قواعد التشغيل والتخزين وذلك بسبب توقيع عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموى على اتفاق المبادئ عام 2015 بضغوط من عيال زايد فى الإمارات رغم اعتراض الجهات السيادية .
فيضانً من صنع البشر
فى هذا السياق شدد الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، على أن نهر النيل ليس ملكًا لأحد، ومن يقرر تصريف المياه منفردًا إنما يعبث بمصير الملايين مشيرا إلى أن الفيضان الأخير كشف ما كنا نحذّر منه منذ سنوات: أن إدارة النيل لا يمكن أن تكون بقرار أحادي .
وأكد «نور الدين» فى تصريحات صحفية، أن مصر استقبلت فيضانًا غير عادي من صنع البشر، موضحا أن هذا الحدث يرتبط بالتصرفات المائية غير المسبوقة الناتجة عن سد النهضة الإثيوبى، والتى استدعت إجراءات استباقية غير عادية من قبل وزارة الرى بحكومة الانقلاب.
وأشار إلى أن بحيرة السد العالى كانت ممتلئة بالأساس، وأن التحول الذى حدث فى تدفقات المياه كان بفعل بشرى من السد الإثيوبي، وأن المياه الخارجة من إثيوبيا تستغرق نحو ١٧ يومًا لتصل إلى مصر عبر مجرى النيل، وتغطى منطقة الدلتا خلال ١٥ يومًا، مشددا على أن مياه السد الإثيوبى التى تم الإفراج عنها لم تصل مصر حتى الآن.
وأوضح «نور الدين» أن الفيضان، بمعدلاته العالية، بدأ منذ تاريخ ٢٦ سبتمبر الماضى، مشيرًا إلى أن التدفقات فاقت المعدلات الطبيعية التى اعتادت عليها مصر لافتا إلى أن الـتصرفات العادية للنيل تتراوح بين ١٧٢ مليون متر مكعب فى الشتاء ونحو ٢٧٠ مليون متر مكعب فى أوقات الذروة، إلا أن ما حدث مؤخرًا تجاوز هذه الأرقام بشكل كبير.
وقال «نور الدين» إن وزارة رى الانقلاب اتخذت خطوات استباقية حاسمة قبل وصول الموجة الفيضانية غير العادية، عبر صرف مياه من السد العالي لتوفير فراغات كافية فى بحيرة السد العالى لاستيعاب المياه القادمة.
ولفت إلى أن كمية المياه التى تم صرفها كانت كبيرة ما أدى إلى نتائج غير معتادة، أبرزها غرق بعض الأراضي فى الدلتا، مؤكدًا أن هناك ١٤٤ جزيرة فى نهر النيل مهددة بالغرق، أبرزها جزيرة الزمالك، جزيرة الوراق، وجزيرة فيلة فى أسوان، إلى جانب جزر أخرى فى المعادى وعلى طول مجرى النهر، وهذه الجزر تختلف طبيعتها ما بين سكنية وزراعية وسياحية.
اتفاق قانونى ملزم
وأكد الدكتور أحمد أبو الوفا، أستاذ القانون الدولى بجامعة القاهرة، ضرورة تفعيل المبادئ القانونية الدولية التى تحكم استخدام هذا المورد المشترك، مشددا على أن تصرفات إثيوبيا، خاصة تلك التى ثبت أنها ألحقت أضرارًا جسيمة بالسودان، تضع أديس أبابا تحت طائلة المسئولية القانونية وتلزمها بالتعويض، ويُعد هذا التأكيد القانونى نقطة محورية فى النقاش الدائر حول ضرورة الوصول إلى اتفاق قانونى ملزم يحمى حقوق دولتى المصب، مصر والسودان.
وقال أبو الوفا فى تصريحات صحفية إن التعامل مع نهر النيل، كونه موردًا مائيًا مشتركًا عابرًا للحدود، يخضع لأمرين أساسيين فى القانون الدولى، ضرورة التشاور والتنسيق، حيث تلتزم جميع الدول الواقعة على مجرى النهر بضرورة التشاور والتنسيق المسبق بخصوص أى استخدامات أو إجراءات قد تؤثر جوهريًا على المصالح والحصص المائية للدول الأخرى. هذا المبدأ يهدف إلى ضمان الشفافية ومنع اتخاذ قرارات أحادية الجانب.
وأوضح أن الأمر الثانى يهدف إلى عدم إلحاق الضرر الجسيم:، فالمبدأ الأهم فى هذا السياق هو التزام أى دولة، بما فيها إثيوبيا، بمراعاة عدم إلحاق ضرر جسيم» بالدول الأخرى الواقعة على مجرى النهر. أى تصرف يؤدى إلى ضرر غير مقبول للدول الأخرى يُعد انتهاكًا للقواعد القانونية الدولية.
وأشار أبو الوفا إلى أن تقارير ودراسات عديدة أكدت أن تصرفات إثيوبيا الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بعمليات الملء والتشغيل لسد النهضة، ألحقت أضرارًا جسيمة بالسودان، وهى أضرار يمكن أن تمتد لتطال مصر، ويستدعى هذا الأمر أن تقوم الدولة المسببة للضرر باتخاذ ما هو لازم لمنع المزيد من الأضرار، وهو ما يتطلب التشاور والتنسيق المستمر مع دولتى المصب.
ورقة ضغط قوية
وأكد على قاعدة راسخة فى القانون الدولى تتعلق بـ«المسئولية الدولية» فى حال إثبات وقوع الضرر، إذا ثبت أن إثيوبيا قد فوضت ضرر التصرف، فإن القاعدة فى القانون الدولى هى أن الدولة محدثة الضرر تلتزم بتعويض الأضرار الواقعة، وفى هذه الحالة، إذا تم إثبات الضرر الجسيم الذى لحق بالسودان نتيجة لتصرفات إثيوبيا فى إدارة السد، فإن أديس أبابا تكون «ملتزمة بتعويض السودان ماديًا وضرورة إصلاح الضرر». ويتم إصلاح الضرر عادةً إما بإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر، أو بدفع تعويض مالى يغطى قيمة الخسائر المباشرة وغير المباشرة.
واعتبر أبوالوفا أن هذا البعد القانونى يعتبر ورقة ضغط دولية قوية بيد دولتى المصب، حيث يمكن استخدامها لتعزيز موقفهما فى المفاوضات واللجوء إلى الآليات الدولية للضغط على إثيوبيا للالتزام بالقواعد الدولية مشددا على أن أى نزاع دولى يجب أن يتم حلّه عبر الطرق السلمية. وفى حالة تعثر المفاوضات واستمرار التهديد، فإن الأمر قد يتصعد إلى هيئات دولية أعلى .
وأكد أن القانون الدولى للمياه يقف إلى جانب دول المصب وحقها فى الحماية من الأضرار الجسيمة، ويضع آلية واضحة للتعويض عن الخسائر، ما يرفع من سقف المطالب المصرية والسودانية فى المفاوضات الجارية حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.