يبدو أن نظام المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي لا ينوي التوقف عن دوامة الاقتراض الخارجي، رغم الأعباء التي تخنق المصريين يومًا بعد يوم، وارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، وتحمل الأجيال المقبلة فواتير ديون لم تشارك في صنعها. ففي الوقت الذي يعلن فيه صندوق النقد الدولي استعداده لصرف الدفعتين الخامسة والسادسة من قرضه لمصر بقيمة 1.7 مليار دولار، يستمر النظام في تقديم مزيد من التعهدات الاقتصادية التي لا يلمس المواطن نتائجها سوى في شكل تضخم متصاعد وغلاء معيشة خانق.
قروض جديدة… وأزمات قديمة
اختتمت حكومة السيسي مفاوضات شاقة مع بعثة صندوق النقد الدولي في واشنطن، بعد اجتماعات دامت أسبوعًا كاملًا ضمت وزراء المالية والتخطيط والاستثمار ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله.
وبينما اعتبر النظام أن نتائج الاجتماعات "إيجابية"، مؤكدًا "تطابق الرؤى" بينه وبين الصندوق حول أولوية خفض التضخم وتعزيز القطاع الخاص، يرى خبراء أن تلك التصريحات مجرد غطاء لتبرير موجة جديدة من الاقتراض الخارجي دون إصلاح حقيقي في بنية الاقتصاد.
مصادر اقتصادية مطلعة أكدت أن الحكومة ركزت في مفاوضاتها على إبراز مؤشرات شكلية مثل تراجع معدلات البطالة وتحسن النمو، متجاهلة الفشل المزمن في جذب الاستثمارات الأجنبية، وتفاقم عجز ميزان المدفوعات، وتآكل الاحتياطي النقدي، ما يدفع النظام إلى البحث المستمر عن تمويلات جديدة لتغطية التزاماته الخارجية.
ديون تتراكم ومواطن يدفع الثمن
الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أوضح أن ملف سعر الصرف يمثل العقدة الأهم في العلاقة بين النظام والصندوق، إذ يرى الأخير أن السوق المصري لا يشهد حرية حقيقية في تداول الدولار، وأن البنك المركزي يواصل التدخل غير المعلن للحفاظ على سعر صرف مصطنع، مع إبقاء الفائدة عند 24% لاستقطاب "الأموال الساخنة".
وأضاف أن الحكومة تُعوّل على تلك التدفقات قصيرة الأجل، التي تجاوزت 42 مليار دولار، لتثبيت سعر الصرف مؤقتًا، لكنها في الوقت نفسه تزيد من عبء خدمة الدين الدولاري، الذي يلتهم الجزء الأكبر من الموازنة العامة.
ويشير عبد المطلب إلى أن القروض الجديدة ليست إلا محاولة لشراء الوقت، إذ إن النظام يسعى للحصول على "قرض استدامة" إضافي بقيمة 1.3 مليار دولار لتعزيز الثقة لدى المقرضين، لا لتحسين حياة المصريين.
إصلاحات على الورق وغلاء في الواقع
في المقابل، يواصل النظام تنفيذ تعهداته القديمة للصندوق، خصوصًا ما يتعلق بخفض الدعم السلعي ورفع أسعار الوقود والكهرباء تدريجيًا، وهي الإجراءات التي يتحمل المواطن وحده تبعاتها.
وتشير مصادر حكومية إلى أن برنامج رفع الأسعار يسير وفق "خطة زمنية" أقرتها حكومة السيسي عام 2022 بالتنسيق مع الصندوق، ما يعني أن القرارات المرتقبة بزيادة الأسعار ليست مفاجئة بل التزام مؤجل، سيدفع ثمنه المواطن من جديد.
ويرى محللون أن القروض الأوروبية الأخيرة، التي جاءت في إطار "حزمة دعم" بقيمة 5 مليارات يورو أعلنها الاتحاد الأوروبي خلال القمة المصرية الأوروبية الأخيرة، ليست إلا امتدادًا للنهج ذاته: تمويل النظام مقابل أدوار سياسية وأمنية في ملفات مثل الهجرة وحصار غزة، بينما يظل الشعب المصري رهينة للديون والتقشف.
أجيال تدفع ثمن سياسات فاشلة
بلغت حصيلة الطروحات الحكومية نحو 3.5 مليارات دولار فقط خلال العام المالي 2024-2025، أي أقل من نصف المستهدف، في وقت تؤكد فيه بعثة الصندوق أن القاهرة مطالبة بإثبات قدرتها على تحقيق "استقرار حقيقي" في سعر الصرف، لا مجرد استقرار وهمي.
ويحذر خبراء من أن استمرار الاقتراض دون إنتاج حقيقي أو تصدير فعلي سيحول مصر إلى دولة مرتهنة بالكامل للمؤسسات المالية الدولية، فيما تتآكل قدرة الجنيه وتختفي الطبقة الوسطى تحت وطأة التضخم والضرائب غير المباشرة.
خلاصة المشهد
بينما تتفاخر الحكومة بتوقيع اتفاقات جديدة مع الصندوق والاتحاد الأوروبي، يعيش المصريون واقعًا معاكسًا: ارتفاعًا في الأسعار، انهيارًا في القدرة الشرائية، وتراجعًا في فرص العمل.
وفي غياب أي شفافية حول أوجه إنفاق القروض أو نتائجها التنموية، يظل السؤال الأهم معلقًا:
إلى متى سيواصل السيسي الاقتراض لتمويل الفشل ذاته، ومن سيدفع في النهاية ثمن الديون سوى المصريين وأبنائهم؟