أكد د. محمود حسين القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين أن الإخوان ثابتة على يقينها بزوال حكم العسكر "لن نفقد الأمل أبدًا في قُرب تبدُّد هذه الفترة المظلمة الحالكة من تاريخ مصر الحديث".
وفي رسالة جديدة للإخوان المسلمين نشرها موقع "إخوان أون لاين" بعنوان "الثبات على المبدأ انتصار للإرادة" خاطب المقال الإخوان المسلمين وغيرهم من المؤمنين بالمشروع الإسلامي، داعيًا إلى عدم الانكسار أمام المحن، بل تحويلها إلى فرص للتمكين، حاضا على التمسك بالمبادئ مهما كانت التضحيات، معتبرًا أن التراجع عنها هو بداية الانهيار المعنوي والتنظيمي.
وخلص إلى أنه "وعلى الرغم من هذا المشهد البائس لقادة الانقلاب وممارساتهم المخزية إلا أن ازدياد الوعي الشعبي – بالتزامن مع زيادة النظام في أعمال القمع والبطش، والتزوير الإعلامي والحملات الإعلامية المكذوبة، وإطلاق حملة من الفضائح لبعض رموزه المستهلكين واستبدالهم بوجوه جديدة – يؤكد قوة الحق وأصالة الشعب، ونؤكد أننا لن نفقد الأمل أبدًا في قُرب تبدُّد هذه الفترة المظلمة الحالكة من تاريخ مصر الحديث؛ فكلنا ثقة في وعد الله بزوال الظلم وانكساره ﴿وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰۤ أَمۡرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [يوسف: 21].
وربطت الرسالة بين الثبات على المبدأ والإيمان الحقيقي، مستشهدًا بآيات قرآنية مثل: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾، ليؤكد أن النصر لا يتحقق إلا بالصبر والثبات، وأظهرت أن الثبات؛ جوهر القوة الروحية التي تدفع المجاهدين والمصلحين للاستمرار رغم الخذلان أو القمع.
ومن بين ما قاله "إن الثبات على المبدأ هو انتصار في ذاته، حتى لو بدا الواقع محبطًا أو مظلمًا " وأن "غزة اليوم تُعلّم العالم أن الإرادة المؤمنة أقوى من الجيوش، وأبقى من التحالفات." وأن "من يثبت على الحق لا يُهزم، حتى لو سُجن أو شُرّد، لأن الهزيمة الحقيقية هي في التخلي عن المبادئ."
وأسقط هذه المعاني واقعيا على غزة والمقاومة مستعرضا نموذج غزة كمثال حي على الثبات في وجه الاحتلال والخذلان الدولي، ويعتبر أن هذا الصمود هو انتصار للإرادة الإيمانية قبل أن يكون انتصارًا عسكريًا.
وأن هذا الانتصار للإرادة يعزز فكرة أن الثبات ليس مجرد موقف، بل هو مشروع حياة ومقاومة. يستحق أن تعبأ الأمة للثقة في المشروع الإسلامي، وحافز على الاستمرار في العمل الدعوي والسياسي رغم التحديات.
واعتبر مراقبون أن فائدة الرسالة أنها تعزز قيم الصمود والثبات العقائدي في وجه التحديات، وتقديم رؤية إيمانية تربوية حول أهمية التمسك بالمبادئ في مسيرة النضال وأمام المحن والخذلان الدولي معتبرا أنه يُعد شهادة على صدق المشروع الإسلامي، كما في حالة المقاومة في غزة.
وحذر من أن الانكسار أمام الضغوط أو التنازل عن المبادئ هو بداية الانهيار التنظيمي والفكري. مفندا تأويل البعض أن الثبات جمود، نافيا ذلك ومعتبرا لأنه "صلابة في المبدأ مع مرونة في الوسائط، والرسالة تدعو إلى "مراجعة الوسائل دون المساس بالثوابت".
رسالة القائم بالإعمال
الثبات على المبدأ انتصار للإرادة
الأربعاء 22 أكتوبر 2025 03:25 م
الحمد لله القائل في محكم تنزيله: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 10] والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد المجاهدين وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين.
من أرض غزة الصابرة التي ارتوت بدماء الشهداء، وتلألأت بنور الثبات؛ ينبلج فجر جديد يسطِّر بمداد الإيمان أروع ملاحم البطولة والفداء، لقد تجسَّدت على أرضها حقيقة إيمانية راسخة مفادها أن النصر قرين الصبر وأن الثبات قرين الإيمان؛ فما كان لهذا الصمود الأسطوري أن يتحقق لولا قوة الإيمان التي استقرت في القلوب، بفضل الله تعالى، وصلابة العقيدة التي لم تهتز أمام عواصف الخذلان ، والثقة المطلقة في وعد الله الصادق للمؤمنين: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [ الروم: 47].
إن هذه الفئة المؤمنة التي منَّ الله عليها بحمل راية الحق والصدق هي امتداد للطائفة المنصورة التي بشَّر بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس" (رواه مسلم).
فهنيئًا لأهل غزة الأبرار ورجال مقاومتها البواسل هذه البشارة النبوية العظيمة التي جعلت ثباتهم نصرًا وصبرهم عزًّا، وفي الوقت الذي نبارك فيه هذا الثبات البطولي نستبشر لشهداء الأمة الذين ارتقوا إلى ربهم؛ فنحسب أنه قد صدق فيهم قوله تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾ [محمد: 4-6].
لم تضع الحرب بعد أوزارها!
إن جماعة "الإخوان المسلمون" إذ تبارك للشعب الفلسطيني البطل وللمقاومة العزيزة إبرام اتفاق وقف حرب الإبادة الجماعية، وما نرى العدو إلا قد أُرغم عليه إرغاما؛ لتؤكد على ضرورة الحذر والحيطة من هذا العدو الصهيوني الغادر الذي لا يَرقُب في مؤمن إلا ولا ذمَّة، وهو ما ظهر واضحًا من خروقاته واعتداءاته بعد اتفاق وقف إطلاق النار، فقد وصفه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 100] فالحذر كل الحذر! فالتحديات الجسام ما زالت قائمة، ولم تضع الحرب بعد أوزارها، وما زالت الأخطار تحيط بغزة، بل وبفلسطين كلها من كل جانب، ومازال المتربصون يسعون في الأرض فسادًا يترقبون الثغرات وينتظرون لحظات الضعف والقصور والاختلاف؛ لينفذوا إلى قضية الأمة المركزية، ولإسقاط هذا الحصن الأول في قلب الأمة، والانقضاض على الباقين متى سنحت لها المتغيرات.
إن أخطار نكث الاحتلال بتعهداته ما زالت قائمة، رغم ما أصابه خلال هذه المعركة الطويلة من إنهاك وما تعرض له جيشه الغادر من خسائر، فهو مازال يحتفظ بأجزاء من قطاع غزة يسيطر عليها ويساوم على بقائه فيها.
كما يظل ملف العملاء القَتَلة المدرَّبين المدجَّجين بالسلاح مفتوحًا، أولئك الذين ألقوا بأنفسهم تحت أقدام العدو وقبِلوا أن يبيعوا أهلهم وأوطانهم بثمن بخس؛ فكانوا شوكة في حلق وطنهم، بل خنجرًا مسمومًا في خاصرته، الأمر الذي يستوجب اليقظة لهم، قبل أن يصبحوا بديلًا عن الاحتلال، أو مبررًا لبقائه، أو أداة لتهديد سلاح المقاومة، أو ستارًا لخلق صراعات مصطنعة بين أبناء الوطن الواحد؛ تكون وسيلة لإظهار الشعب الفلسطيني بأنه في حرب أهلية وغير جاهز لقطف ثمار جهاده، وصموده في حق تقرير مصيره بنفسه، وإقامة دولته المستقلة، واسترجاع حقوقه.
ويستتبع ملف عملاء الداخل ملف الطابور الخامس الذي يطل برأسه عبر وسائل الإعلام المختلفة، يطعن في المقاومة ويشكك في منجزاتها، ويحرِّض عليها ويستنفر العالم ضدها، ويتربص بحق الوطن المشروع في مقاومة المحتل، أو التصدي له بكل ما يملك من قوة وما يحمل من أدوات.
إن هؤلاء الذين يظهرون في الإعلام ينطقون بألسنتنا ويحملون أسماءنا، ولكنهم أقرب لمقاصد العدو من مقاصد أمتهم، يرتجفون خوفًا وفزعًا إذا ارتدع العدو، وتنفرج أساريرهم إذا كانت الدائرة على أوطانهم!
ومن هنا تظهر أهمية استمرار وهج التعاطف مع القضية الفلسطينية، ومتابعة أخطار المرحلة الحالية التي تظل تحديًا كبيرًا تقع تبعاته على جميع المسلمين، ويتحمل أعباءه كل أحرار العالم، فقد وصلت الحقائق إلى شعوب العالم فتفاعلت معها وانحازت إلى الحق، وخرجت بكل قوة تواجه العدوان وتتصدى لجرائمه ومخازيه.
واليوم وبعد هذا التوقف الهش للحرب واستمرار التحديات الجسام يجب العمل على ألا يخفت هذا الوهج، وألا يفتر ذلك الاهتمام والتفاعل، وأن تستمر هذه النصرة والضغط العالمي بلا توقف؛ حتى تحصل غزة وفلسطين كلها على مقومات الحياة وإعادة الإعمار وتقرير المصير.
أما صحوة الشعوب العربية والإسلامية فيجب -من باب أوْلى- أن تستمر بلا توقف في ضغطها على حكوماتها؛ حذرًا من عودتها إلى التطبيع من جديد، أو استدراج شعوبها إلى مربع التنازلات، أو استئناف التعاملات الاقتصادية والسياسية مع الاحتلال بدعوى انقضاء الحرب وتوقف العدوان، بينما هي في الحقيقة تكون قد بدأت بوجه قبيح آخر!
إن مساندة المقاومة والوقوف معها ليس مجرد خيار سياسي أو منَّة من أحد، بل فرض عين على كل من يستطيع حاكمًا كان أم محكومًا؛ ففلسطين هي العمق الاستراتيجي للأمن القومي العربي واﻹسلامي، خاصة لدول الطوق التي تواجه مصيرًا مشابهًا، وقد يكون أشدَّ حالَ ركونها أو تراخيها أو غفلتها؛ فهذا مشروع هيمنة استعماري متعدد الطبقات والمراحل، ولا يكاد يهدأ حتى يعود بشكل أشد شراسة وأوسع امتدادًا وأكبر خطرًا.
أما علماء الأمة ومصلحوها فدورهم اليوم أكبر، ومسؤوليتهم أمام الله والأمة أعظم؛ فعليهم أن يثبّتوا عقيدة الأمة ومفاهيم النصر والثبات ويدعموا المجاهدين بكل غال ونفيس، وأن يقوموا بدورهم في إرشاد الشباب والتوجيه إلى تربيتهم تربية إيمانية قوية صلبة تمكِّنهم من التحدي والثبات عند الشدائد.
إن قضية فلسطين ستظل قضية الأمة المركزية التي لن تتوقف الشعوب عن إسنادها، والوقوف بجانبها، وتحمُّل تبعات ذلك كله؛ حتى تتحرر فلسطين بأكملها وتقوم دولتها وعاصمتها القدس الشريف، وما ذلك على الله بعزيز.
السودان.. عندما تغيب عدسة الإعلام وأقلام الكتاب
وفي السودان حيث يقل الانتباه، بل ويغيب التفاعل اللازم مع معاناة الشعب، وبرغم تفاعل الأحداث وتزايد وتيرة الجرائم التي ترتكب بحق السودان؛ ما زالت محاولات الانفصال مستمرة، ومؤامرات التقسيم قائمة؛ ولذلك يتواصل العدوان الهمجي على المدنيين.
ففي الفاشر تعاني المدينة من حصار مستمر من قوات الدعم السريع مما أدى إلى تدمير ونهب أكثر من 90 % من المنازل، وحرمان السكان من الخدمات بشكل شبه كامل، وسط غارات جوية داخل المدينة، راح ضحيتها عدد كبير من الشهداء والمصابين معظمهم من النساء والأطفال، بل بلغ حد الجرائم استهداف ملاجئ النازحين والتي كان آخرها في "دار الأرقم" حيث تم قتل ما لا يقل عن 60 شخصًا.
إن الأرقام تتحدث عن مأساة حقيقية وجرائم متزايدة ضد المدنيين منذ بداية الحرب التي تشعلها قوى إقليمية ودولية تستهدف وحدة السودان وسلامة أراضيه، حتى أصبح ما لا يقل عن 30 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وهو المعدل الأعلى عالميًّا، وزاد عدد النازحين منذ بداية الحرب عن 10 ملايين شخص، وتخطى عدد اللاجئين في الدول المجاورة إلى أكثر من 2.5 مليون شخص.
إن الواجب الإنساني والإسلامي يستوجب على الشعوب والحكومات العربية، وأولها دول الجوار، وفي مقدمتها مصر، بذل أقصى الجهد لوقف هذه الحرب وإعادة الالتحام بين أبنائه وقبائله العربية والإفريقية وكافة مكوناته، والتصدي لمؤامرات تقسيم السودان من جديد والعبث بمستقبل بلد يعد امتدادًا للأمن القومي المصري والعربي والإسلامي.
والتساؤل اليوم: أما آن لوسائل الإعلام العربية والإسلامية أن تسلِّط الضوء على الأحداث في السودان، وتنقل الحقائق للرأي العام العربي والإسلامي والعالمي؛ حتى ينحاز إلى وحدة شعب يسعى لتحقيق وحدة أراضيه وسلامة وطنه من الاقتطاع والتقسيم؟!
المتخاذلون لا يبنون الأوطان
ومع الانقشاع الحَذِر لغبار الحرب في غزة ينكشف حجم التراجع والخذلان الذي مارسته الأنظمة العربية تجاه المقاومة الباسلة والقضية الفلسطينية، لقد اكتفى هؤلاء بالظهور الباهت في المشهد الأخير لاتفاق إيقاف الحرب بعدما تحركت الولايات المتحدة لإنقاذ سمعة الكيان من هزيمة محققة على يد المقاومة الباسلة، ومحاولة امتصاص الغضب الشعبي العالمي الذي بدأ يطوِّر أدواته في محاصرة دولة العدوان، وقد أعلنها الرئيس الأمريكي أن الكيان الصهيوني لن يستطيع أن يحارب العالم بأسره!
وفي مصرنا الحبيبة؛ فإن قادة الانقلاب الدموي الذين قادوا البلاد للتراجع على جميع المستويات لن يحركوا ساكنًا لإنقاذ سمعة مصر عالميًّا وإقليميًّا؛ فهم لا يعنيهم سوى مصالحهم الشخصية وبقائهم في سدة الحكم بأي ثمن ومهما بلغت التكلفة؛ حتى أصبحوا مضرباً للمثل فيما بلغوه من فشل وفساد وتلاعب بمقدرات الوطن الحبيب وتحميل المواطنين مزيدًا من الأعباء، وإغراقهم في دوامة الأسعار التي تتزايد بلا ضابط ولا رادع، والتي كان آخرها رفع أسعار المحروقات بما لا يتناسب مع إمكانات ودخل المواطن؛ فبعدما تسببوا في وقوع مصر تحت وطأة الاستدانة والقروض وتسليم مقدرات البلاد الاقتصادية للمؤسسات العالمية، وتربُّع مصر على قمة الدول العربية الأعلى مديونية؛ رأينا حجم التخاذل في مواجهة كارثة سد النهضة الإثيوبي، وقد بات واضحًا للعيان ما يمثله ذلك السد من تهديد وجودي للسودان وجنوب السودان، وتهديد لا يقل خطرًا على الأمن القومي المصري، والتلاعب بمصير مصر وكينونتها الحضارية والجيوسياسية، وتهديد نهوضها واستثماراتها ومشروعاتها، بل وأمنها المائي والغذائي والاجتماعي، في أي وقت؛ سواء بشح الموارد المائية أو بخطر الفيضان وما يترتب عليه من إغراق لمحافظات وقرى كاملة، لا قدر الله.
أما عن حجم الفساد وانتهاك الحقوق الأساسية للمصريين في الداخل والخارج والحياة اليومية فحدِّث ولا حرج؛ فقد احتلت مصر المرتبة 130 في ترتيب الشفافية ومكافحة الفساد عالميًّا من بين 180 دولة، وفق مؤشر مدركات الفساد التابع للأمم المتحدة، وباتت أخبار قضايا الفساد من الأخبار المعتادة في الصحف ووسائل الإعلام، وما خفي أعظم.
وبينما يئنُّ المواطن المصري تحت وطأة الفقر وتراجع مستويات الدخل ينعم الفاسدون من قادة الانقلاب وحاشيتهم بنهب مقدرات الوطن وسلب خيراته بكل أدوات الفساد ووسائله؛ حيث تسيطر هذه الطغمة الفاسدة على عقود استيراد القمح والطاقة وحركة التجارة الداخلية والخارجية، والقيام ببيع أصول البلد، وتضخم ثروات الانقلابيين وذويهم، وتقلُّدهم المناصب وعسكرة مناصب الدولة، ويمارسون في سبيل ذلك كل أساليب البطش والاستبداد، ووأد أصوات المعارضة، واضطهاد الشرفاء؛ دفاعاً عن امبراطوريات الفساد التي يقودونها؛ حتى سجل مؤشر الأمم المتحدة في النزاهة والشفافية 32 نقطة فقط لصالح مصر من مستوى 100 نقطة.
إن الاستبداد لا يعيش ولا يتغذّى إلا على الفساد والتنازلات الكبرى والتفريط في مقدرات البلاد والعباد؛ لأنه لا يعمل لصالح الوطن والشعب المقهور، وإنما يعمل لصالح سلطته والحفاظ على الحكم مهما كلف ذلك من أثمان تدفع من ثروات الوطن ومواطنيه.
ولا يجد المستبدون حرجًا -من أجل تحقيق غاياتهم في البقاء والاستمرار في الحكم- أن يباركوا الخرافات ويقوموا باستعادة مظاهر الجهل والتخلف، ورعاية الموالد والطواف حول الأضرحة وحشد الناس نحوها، بعد أن كانت هذه المظاهر المشينة قد اندرست خلال العقود الماضية مع شيوع العلم وانتشار الدعاة، واليوم يسعون لاستعادة تلك الممارسات ودفع البعض نحوها؛ صرفًا لاهتمامات الناس عن مواجهة جرائمهم، وتغييبًا لعقول الجماهير، ورغبة في إشاعة النكوص عن صحيح الدين، في ظل زخم إعلامي ورسمي واسع، إلا أن محاولاتهم ستظل فاشلة، ولن يكتب لها النجاح؛ فالتيار الشعبي الجارف يعرف الحقائق ويدرك صحيح الإسلام ويعلم مكامن الخطر مما يدبِّر المبطلون.
وعلى الرغم من هذا المشهد البائس لقادة الانقلاب وممارساتهم المخزية إلا أن ازدياد الوعي الشعبي – بالتزامن مع زيادة النظام في أعمال القمع والبطش، والتزوير الإعلامي والحملات الإعلامية المكذوبة، وإطلاق حملة من الفضائح لبعض رموزه المستهلكين واستبدالهم بوجوه جديدة – يؤكد قوة الحق وأصالة الشعب، ونؤكد أننا لن نفقد الأمل أبدًا في قُرب تبدُّد هذه الفترة المظلمة الحالكة من تاريخ مصر الحديث؛ فكلنا ثقة في وعد الله بزوال الظلم وانكساره.. ﴿وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰۤ أَمۡرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [يوسف: 21].
واللهُ أكبرُ وللهِ الحمد
أ. د. محمود حسين
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة " الإخوان المسلمون "
اﻷربعاء 30 ربيع اﻵخر 1447 هجرية – الموافق 22 أكتوبر 2025م
https://www.ikhwanonline.com/article/270936