في مشهد أراد به المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي أن يُظهر للعالم صورة “القائد الحضاري” الذي يرسل “رسالة سلام من أرض الفراعنة”، جاء افتتاح المتحف المصري الكبير، مساء السبت، باهتاً على عكس ما تمنّاه النظام، بعد غياب شبه كامل للملوك والرؤساء الذين كان السيسي يحلم بتصوير نفسه إلى جوارهم، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وزعماء الدول الأوروبية.
لم يحضر من الملوك سوى ملك إسبانيا، فيما غاب جميع ملوك وأمراء الدول العربية، مكتفين بإرسال مندوبيهم، حتى شيطان العرب محمد بن زايد اكتفى بإرسال نجله، بينما كان الحضور العربي الرسمي الوحيد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
ورغم هذا الغياب اللافت، حاول إعلام النظام تصوير الحدث على أنه “تتويج لحلم مصر الثقافي”، متجاهلاً أنّ افتتاح المتحف جاء في وقتٍ يموت فيه الشباب المصري غرقاً في البحر هرباً من الفقر والبطالة، بينما تُهدر أكثر من 100 مليار جنيه على مباني المتحف والاحتفالات الصاخبة.
وفي اليوم نفسه الذي افتتح فيه السيسي المتحف، كانت أنباء مصر تتناقل غرق سبعة شباب أثناء محاولتهم الهجرة من السواحل الليبية، ضمن مئات من أبناء القرى الذين يفرّون يومياً من الجوع والغلاء وانعدام الأمل في وطنهم.
متحف للسلام.. ونظام يعتقل مئة ألف مصري
وفي مفارقة فجّة، زعم السيسي في كلمته أن افتتاح المتحف هو “رسالة سلام إلى العالم”، متناسياً أنه يعتقل قرابة 100 ألف مصري ومصرية دون محاكمة عادلة، بينهم علماء وصحفيون وأساتذة وطلاب.
وتساءل مراقبون: كيف يدعو السيسي إلى السلام العالمي وهو لا يتصالح مع شعبه الذي انقلب عليه؟
مشروع القرن أم عبء القرن؟
بلغت تكلفة المتحف المصري الكبير أكثر من مليار دولار (نحو 100 مليار جنيه)، ليصبح أضخم مشروع ثقافي في تاريخ مصر الحديث، مقاماً على مساحة نصف مليون متر مربع عند سفح الأهرامات.
ورغم ضخامته المعمارية ومحتواه الأثري، يرى كثيرون أن هذا الصرح هو رمز آخر للتبذير في زمن الجوع، إذ أن شعباً يئنّ تحت وطأة الغلاء وانهيار الجنيه لا يحتاج لمتحف جديد بقدر حاجته إلى لقمة العيش والعدالة.
وكان عالم الآثار المصري زاهي حواس قد انتقد في تصريحات سابقة فكرة إنشاء المتحف، قائلاً إن “هذا المشروع سيحتاج إلى قرن من الزمان ليغطي تكلفته”، في إشارة إلى عدم جدواه الاقتصادية في ظل أوضاع البلاد الراهنة.
غياب الوجوه اللامعة.. وافتتاح باهت
على الرغم من التحشيد الإعلامي والتجهيزات الأمنية الضخمة، بدا الافتتاح أقرب إلى عرض تلفزيوني باهت منه إلى حدث عالمي، إذ غابت عنه الوجوه الدولية البارزة، وحضره فقط عدد محدود من الوفود الرسمية من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، إضافة إلى شخصيات ثقافية وفنية ثانوية.
وبينما كانت الأضواء تتلألأ فوق المتحف الملياري، كانت بيوت المصريين تغرق في الظلام والفقر، وكانت رسائل الغضب تملأ مواقع التواصل تندد بتبديد أموال الشعب على “عروض واحتفالات” لا تطعم الجائعين ولا تنقذ الغارقين.
