“50 مليار دولار على الورق: احتياطي البنك المركزي يرتفع بالقروض والودائع.. لا بالإنتاج”

- ‎فيتقارير

 

في الوقت الذي يعلن فيه البنك المركزي المصري  بسلطة الانقلاب عن بلوغ احتياطي النقد الأجنبي مستوى غير مسبوق متجاوزاً حاجز الـ50 مليار دولار بنهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يرى محللون أن هذه الزيادة ليست مؤشراً على تحسن حقيقي في موارد الدولة من العملات الأجنبية، بل تعكس في جوهرها توسعاً في القروض والودائع الخليجية المؤقتة، وليس نمواً إنتاجياً أو تصديرياً مستداماً.

 

فرغم احتفاء الحكومة بالرقم القياسي، فإن تتبّع مكونات هذا الاحتياطي يوضح أنه يعتمد بصورة متزايدة على تدفقات رأسمالية قصيرة الأجل واستثمارات مالية مرتبطة بصفقات سياسية أو ودائع مشروطة من دول الخليج، إلى جانب ارتفاع تقييم الذهب والدولار حسابياً، دون أن يقابل ذلك زيادة حقيقية في الصادرات أو موارد الدخل القومي.

 

قروض وصفقات موجهة لا إنتاج حقيقي

تأتي القفزة الأخيرة مدفوعة بشكل أساسي بتدفق أموال من صفقات استثمارية ذات طابع تمويلي، أبرزها اتفاقية رأس الحكمة مع صندوق أبوظبي السيادي التي أعلنت عنها القاهرة مطلع العام بقيمة إجمالية 35 مليار دولار، لم يدخل منها سوى جزء محدود في شكل ودائع نقدية قصيرة الأجل. كما تعهّدت شركة "الديار" القطرية بضخ 3.5 مليارات دولار لشراء أرض مشروع علم الروم، وهي دفعة لم تُسجّل بعد بالكامل، مما يعني أن الأرقام الحالية للاحتياطي تشمل تقديرات وأرصدة تحت التسوية.

 

وبحسب مصادر مصرفية، فإن جزءاً كبيراً من الزيادة في أكتوبر جاء نتيجة تحويل ودائع خليجية طويلة الأجل إلى بند "احتياطي رسمي"، إلى جانب اقتراض الحكومة مبالغ إضافية من مؤسسات دولية وصناديق تنمية إقليمية. وتؤكد هذه المصادر أن ما يُعرف بالاحتياطي «القابل للاستخدام» فعلياً أقل بكثير من الرقم المعلن، بعد استبعاد الالتزامات الخارجية قصيرة الأجل التي تستحق خلال العام المقبل.

 

زيادة حسابية بسبب الذهب وتقييم العملات

الارتفاع الأخير في أسعار الذهب عالمياً ساهم بدوره في تضخيم قيمة الاحتياطي، حيث تشكّل الأرصدة الذهبية نحو 10% من الإجمالي، أي أن زيادة قيمتها الدولارية لا تعني دخول عملة صعبة جديدة إلى البلاد، بل مجرد إعادة تقييم محاسبية. كما أن تراجع سعر الين واليورو أمام الدولار رفع من قيمة الأصول المقوّمة بهما عند احتسابها بالدولار الأميركي، وهو ما أضاف «زيادة ورقية» إلى الإجمالي المعلن.

 

تحسن مؤقت في بعض البنود لكنه غير كافٍ

صحيح أن بعض المؤشرات كتحويلات العاملين في الخارج وإيرادات السياحة شهدت تحسناً نسبياً، لكن هذه التدفقات ما تزال هشة ومتذبذبة، وتخضع لتأثيرات سياسية وأمنية واقتصادية سريعة التبدل. فمعظم المصريين العاملين بالخارج يعانون من تراجع الدخول وارتفاع كلفة التحويلات، كما أن جزءاً كبيراً من تحويلاتهم عاد إلى السوق المصرفية فقط بعد تضييق الخناق على السوق الموازية، لا نتيجة ثقة حقيقية في الجهاز المصرفي.

 

أما إيرادات قناة السويس والسياحة، فعلى أهميتهما، فإنهما لا يكفيان لتعويض نزيف الواردات، وسداد أقساط الدين الخارجي الضخمة التي تجاوزت 170 مليار دولار. ويشير اقتصاديون إلى أن الفوائض المرحلية في الحساب الجاري لا تمثل انعكاساً لإنتاج محلي قوي، بقدر ما تعكس قيوداً على الاستيراد وتراجع الطلب الداخلي بفعل الأزمة المعيشية.

 

الاحتياطي كأداة تجميل سياسي

يرى محللون أن إعلان البنك المركزي عن تجاوز الاحتياطي حاجز الـ50 مليار دولار يأتي في توقيت سياسي حساس، لتقديم صورة زائفة عن تعافي الاقتصاد قبيل انتخابات شكلية جديدة، ولطمأنة المقرضين الدوليين بأن مصر قادرة على الوفاء بالتزاماتها. إلا أن الواقع يشير إلى أن هذا “التحسن” هو نتاج تمويلات خارجية مؤقتة ستُستنزف سريعاً مع استحقاقات الديون القادمة.

 

ويؤكد خبراء مستقلون أن الاحتياطي الحالي «رقم بلا مضمون»، لأن مصدره الأساسي ليس ناتجاً وطنياً أو صادرات حقيقية، بل ودائع وقروض تُسجل كأرصدة مؤقتة داخل البنك المركزي، سرعان ما تُسترد أو تُستهلك في سداد أقساط الدين وفوائدها. وهو ما يجعل هذه الزيادة «وهمية» بالمعنى الاقتصادي، تخفي وراءها عجزاً هيكلياً في موارد الدولة من النقد الأجنبي.

 

خلاصة التحليل:

 

الزيادة الأخيرة في الاحتياطي ليست ناتجة عن إنتاج أو تصدير فعلي، بل عن تدفقات مالية وقروض خليجية مؤقتة.

 

ارتفاع أسعار الذهب وتقييم العملات الأجنبية ساهم في تضخيم الرقم دون دخول سيولة حقيقية.

 

استمرار العجز التجاري والدين الخارجي المرتفع يجعل هذا الاحتياطي هشاً وعرضة للتآكل السريع.

 

الهدف السياسي من الإعلان هو الترويج لنجاح اقتصادي زائف يخفف الضغوط على النظام.