في استمرارٍ لسياسات النظام العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي التي تستهدف الفقراء والمهمّشين، أقدمت الحكومة على تنفيذ حملة قمعية جديدة ضد المزارعين في محافظة المنوفية، تمثلت في إزالة 144 منزلاً من أراضي طرح النهر، ضمن ما وصفته وزارة التنمية المحلية بـ"حملة إزالة التعديات"، بينما يصفها الأهالي بأنها جريمة تهجير قسريّ جديدة تُنفذ بأوامر من رأس النظام وتحت حماية الجيش والشرطة، وبتواطؤ من القضاء.
وأعلنت وزارة التنمية المحلية أنّ هذه الإزالات جاءت تنفيذاً لتكليف من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، المقرّب من السيسي، ضمن الجولة السابعة والعشرين من "حملات استرداد أراضي الدولة". وبحسب بيان الوزارة، فقد تمت الإزالات بالتنسيق مع مديريات الأمن ووزارة الري، بإشراف مباشر من الأجهزة الأمنية.
لكن خلف البيانات الحكومية المكررة عن "حماية نهر النيل" و"الحفاظ على البيئة"، يكمن واقع مأساوي يعيشه المزارعون البسطاء الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها بلا مأوى ولا مصدر رزق، بعدما حاصرتهم قوات الأمن وهدمت منازلهم فوق أراضيهم التي عاشوا فيها لعقود، دون أن تقدم لهم الدولة أي تعويضات أو بدائل سكنية.
وتأتي هذه الحملة بعد أسابيع قليلة من غرق آلاف الأفدنة في المنوفية والبحيرة والمنيا، نتيجة فتح بوابات السد العالي في أكتوبر الماضي، وهو ما تسبب في تدمير محاصيل رئيسية كالذرة والفاصوليا والأرز والفراولة. ورغم أن الأهالي حمّلوا الحكومة مسؤولية الفيضانات بسبب الإهمال وسوء إدارة المياه، فإن النظام اختار تحميل الضحايا أنفسهم التبعات، متهماً إياهم بـ"التعدي على حرم النيل".
ويبرر مدبولي والسيسي هذه الإجراءات بأنها "تطبيق للقانون" و"استعادة لأراضي الدولة"، بينما يرى مراقبون وحقوقيون أنّ الهدف الحقيقي هو تمهيد هذه الأراضي لمشروعات استثمارية تابعة للجيش وأجهزة الدولة، في إطار سياسة تحويل كل شبر من أرض مصر إلى مصدر للربح تحت إدارة المؤسسة العسكرية.
وبينما تُهدم منازل المزارعين البسطاء، تبقى قصور العاصمة الإدارية ومشروعات رجال السلطة محمية من المساءلة، في مشهد يختصر واقع دولة تحوّل فيها الجيش إلى سمسار، والشرطة إلى أداة قمع، والقضاء إلى غطاء قانوني لجرائم نظامٍ يحتل البلاد ويجرفها من أهلها الأصليين.
