تتوالي الشهادات الحقوقية التي ترسم صورة قاتمة لأوضاع الاحتجاز في مصر، حيث تتحول السجون إلى بيئة قاتلة لا توفر الحد الأدنى من الرعاية الصحية أو الأمان الجسدي للمعتقلين السياسيين، ويثير تقرير مركز الشهاب لحقوق الإنسان عن شهر نوفمبر/تشرين الثاني2025 أسئلة ملحّة حول ما إذا كانت هذه الوفيات المتكررة نتيجة إهمال عرضي، أم سياسة ممنهجة تتعمد إسكات المحتجزين عبر تركهم يواجهون الموت البطيء.
٣وفيات في شهر واحد… و16 ضحية منذ مطلع العام
سجّل شهر نوفمبر وحده ثلاث حالات وفاة داخل مقار الاحتجاز، تُضاف إلى 16 وفاة موثقة خلال عام 2025، وتتراوح أعمار الضحايا بين طفل وشاب في العشرينيات ورجال في الخمسينيات والستينيات، ما يبرهن أن الخطر لا يستثني أحداً، وأن غياب الرعاية الطبية داخل السجون يمثل تهديداً عاماً للحياة.
حمدي محمد مريض قلب تُرك ليموت ببطء في31 أكتوبر/تشرين الأول، توفي السجين السياسي حمدي محمد محمد (63 عاماً) داخل سجن ليمان المنيا، كان الرجل قد خضع لجراحة قلب مفتوح ويحتاج متابعة صحية دقيقة، لكن إدارة السجن تجاهلت حالته تماماً.
بدلاً من وضعه تحت رعاية طبية مناسبة، جرى حبسه في غرفة إسعافات غير مجهّزة، رغم النداءات المتكررة من زملائه، تأخر نقله إلى المستشفى حتى اللحظات الأخيرة، ليضاف اسمه إلى لائحة طويلة من المحتجزين الذين انتهت حياتهم، بسبب الحرمان من العلاج.
محمد جمعة… حكم
إعدام يؤجل والوفاة تنفّذ بالإهمال
بعد ساعات فقط،
توفي السجين السياسي محمد جمعة، أحد المحكوم عليهم بالإعدام في قضية “قسم العرب”، وذلك داخل سجن وادي النطرون بعد 13 عاماً من الاحتجاز في ظروف وُصفت بأنها “قاسية وغير آدمية”.
استغاث الراحل من
آلام حادة في الصدر، لكن الإدارة تجاهلت طلبات زملائه بتقديم الرعاية العاجلة، لم يُنقل إلى طبيب، ولم يتلق أي علاج قبل وفاته، ما يعزز فرضية “الإهمال الطبي المتعمد” كأداة عقابية تستهدف السجناء المحكومين سياسياً.
أحمد محمود… تدوير بلا نهاية ينتهي بالموت
في8 نوفمبر، فقد السجين السياسي أحمد محمود محمد سعيد حياته داخل محبسه. ورغم صدور قرارات متكررة بإخلاء سبيله، ظل يُعاد احتجازه في قضايا جديدة فيما يعرف بـ“التدوير”، وهو إجراء يُستخدم لإبقاء المحتجزين في السجن خارج الإطار القانوني،هذاالحرمان المتواصل من الحرية، مع بيئة احتجاز متدهورة، أنهى حياته قبل أن تنصفه العدالة، منع التواصل الأسرى عقوبة إضافية تصل حد القسوة لا تقتصر الانتهاكات على
الإهمال الصحي، بل تمتد إلى حرمان المعتقلين من حقوقهم الإنسانية الأساسية، وعلى رأسها التواصل مع الأسرة.
في6 نوفمبر، توفيت والدة
السجين السياسي محمد القصاص دون أن يتمكن ابنها من وداعها، وفي25 نوفمبر، توفي شقيق الصحفي والنائب السابق محسن راضي، المحتجز في عزل انفرادي منذ أكثر من 12 عاماً دون زيارات، ودون معلومات، مؤكدة عما إذا كان النظام قد أبلغه بوفاة شقيقه أو أقاربه. هذه الحالات تكشف قسوة غير مبررة، وتحويل الاحتجاز إلى عقوبة تمتد خارج الزنزانة، لتصل حتى أفراد الأسرة.
إمبابة…وفيات مريبة وضغوط لطمس الحقيقة
في10 نوفمبر، توفي المواطن أحمد مصطفى (35 عاماً) داخل قسم شرطة إمبابة وسط شبهات قوية بالتعذيب وسوء المعاملة، شهود أكدوا أنه كان بصحة جيدة قبل احتجازه لثلاثة أسابيع، وأن تدهور حالته كان نتيجة مباشرة لظروف الاحتجاز القاسية.
الأخطر أن أسرته تعرضت لضغوط للتوقيع على أوراق تفيد بأن الوفاة “هبوط حاد في الدورة الدموية” مقابل تسليم الجثمان، وهو النمط الذي يتكرر في معظم حالات الوفاة داخل الأقسام. اكتظاظ خانق ومعاملة لاإنسانية شهادات من داخل قسم إمبابة تكشف احتجاز نحو 700 شخص في 4 غرف فقط من أصل 11 غرفة، بمعدل35 سنتيمتراً فقط للفرد، مع حرمان شبه كامل من الطعام والزيارات والرعاية الصحية، هذه الظروف تشكل بيئة خصبة لانتشار الأمراض، وتحوّل الحبس الاحتياطي إلى خطر مباشر على الحياة.
تحليل:نمط ممنهج لا يمكن تجاهله يتجاوز
تكرار الوفيات حدود المصادفة أو
القصور الإداري، فالعوامل المشتركة في معظم الحالات—المنع المتعمد للعلاج، تجاهل الاستغاثات الطبية، العزل الطويل، الاكتظاظ، وضغوط تغيير أسباب الوفاة—تشير إلى سياسة ممنهجة تستخدم الإهمال الطبي كأداة عقاب وردع.
ومع استمرار غياب الرقابة القضائية، وحرمان المنظمات الدولية من الوصول المستقل إلى السجون، يصبح السؤال مشروعاً: هل تحولت المؤسسات العقابية في مصر إلى بيئة
قتل بطيء؟ :ضرورة تدخل دولي عاجل أظهر تقرير مركز الشهاب أن التكلفة الإنسانية
للاحتجاز في مصر صارت كارثية، في ظل غياب أي إرادة رسمية لمعالجة الانتهاكات أو مساءلة المتسببين فيها.
ويضع هذا الوضع المأساوي مسؤولية مضاعفة على الآليات الدولية لحقوق الإنسان، لمطالبة السلطات المصرية بالإفراج عن السجناء السياسيين، وتمكين الرقابة المستقلة، وإجراء إصلاح
جذري لمنظومة السجون والعدالة.