في مشهد يختصر سنوات من العبث المالي، خرج وزير مالية الانقلاب أحمد كجوك ليزف إلى المصريين “بشرى” جديدة: مصر تدرس مع شركاء دوليين إنشاء “نادي للمقترضين”
لا حديث عن إنتاج، لا عن تصدير، لا عن صناعة… فقط ناد جديد للغارمين، وكأن الدولة قررت أن تحول الإفلاس إلى كيان مؤسسي دائم.
الوزير قالها بابتسامة واثقة من على منصة المؤتمر الاقتصادي المصري–الأفريقي: “نريد توحيد صوت الدول المدينة وتبادل الخبرات ووضع أجندة جماعية لإدارة الديون”.
لكن خارج القاعة، كان السؤال يتردد في الأوساط الاقتصادية والسياسية: هل تعلن مصر رسمياً وصولها إلى الحافة؟ أم أن السيسي يسعى لرئاسة اتحاد عالمي للفشل الاقتصادي كما توقع الشيخ حازم أبو إسماعيل مبكراً؟
من دولة إقليمية إلى زعيمة “نادي الغارمين”
الفكرة التي طُرحت عالمياً منذ أكثر من عشرين عاماً عادت اليوم من بوابة القاهرة، ولكن ليس في توقيت قوة، بل في لحظة انكشاف مالي غير مسبوق.
فمصر، التي كانت تُصنّف ثاني أكبر اقتصاد أفريقي، باتت اليوم: ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين وثالث أكبر مقترض أفريقي من الصين وأسيرة دوامة لا تنتهي من إعادة تدوير القروض وهنا يصبح “نادي المقترضين” بالنسبة لكثير من المراقبين ليس إصلاحاً، بل إعلان إفلاس ناعم بلا ضجيج.
هل هو تصحيح مسار أم هروب جماعي من المحاسبة؟
أنصار الفكرة يروجون لها كخطوة “ذكية” لمواجهة هيمنة الدائنين عبر: التفاوض الجماعي وإعادة هيكلة الديون وتخفيف الفوائد واستبدال الديون باستثمارات
لكن المعارضين يرون المشهد من زاوية أكثر قتامة: تحالف المقترضين ليس سوى مظلة جديدة تهرب من تحتها الأنظمة الفاشلة من المحاسبة على فسادها وسوء إدارتها.
فالديون لم تتفاقم بسبب مؤامرة كونية، بل بسبب: مشروعات استعراضية بلا عائد وعاصمة إسمنتية بلا سكان وقطارات معلّقة في الهواء ومدن تُباع قطعةً قطعة لسداد فوائد البارحة
حين تبتلع الفوائد كل الدولة
الخطر الحقيقي لا يكمن في فكرة “النادي”، بل في الأرقام التي تكشف حجم الكارثة: ففوائد الديون خلال 4 أشهر فقط: 899 مليار جنيهن وإيرادات الدولة في نفس الفترة: 863 مليار جنيه، والعجز الكلي قفز إلى: 662 مليار جنيه، واستحقاقات خارجية بالنصف الأول من 2026: نحو 36 مليار دولار
بمعنى أوضح: الدولة تعمل فقط لخدمة الفوائد… لا تعليم، لا صحة، لا تنمية، فقط فوائد.
وهنا يصبح السؤال أكثر مرارة: هل تحولت موازنة مصر إلى نشرة لخدمة الدائنين فقط؟
السيسي لا يرى في القروض أزمة… بل منهج حكم
الأخطر أن النظام لا يتعامل مع الاستدانة كحل مؤقت، بل كـعقيدة سياسية دائمة. فكل أزمة تُحل بقرض، وكل فشل يُغطى بقرض، وكل عجز يُرحّل بقرض جديد.
مراجعات صندوق النقد تتواصل
قرض أوروبي بـ4 مليارات يورو
أذون خزانة دولارية كل أسابيع
شركات وأراضٍ تُباع لسداد الفوائد
والرسالة الضمنية التي يبعث بها السيسي بوضوح:
“سأحكم بالقروض… حتى آخر نفس.”
سمعة مصر على المحك
الكاتب مصطفى عبدالسلام، اختصر المأساة بوضوح حين قال إن الدعوة لنادي المقترضين تسيء لسمعة مصر الاقتصادية، لأنها لا تحمل خطة لإنهاء الاستدانة، بل تؤسس لها باعتبارها وضعاً طبيعياً دائماً.
فالعاقل يتوقع من وزير مالية:
خريطة للخروج من الديون
جدولاً زمنياً لوقف الاقتراض
برنامج إنتاج حقيقي
لكن ما جرى هو العكس تماماً:
تحويل الاستدانة إلى سياسة دولة معلنة.
بيع الدولة… لتسديد فوائد الدولة
ومع تصاعد أزمة الديون، لم يعد أمام النظام سوى تسييل كل ما هو ثابت:
رأس الحكمة
علم الروم
الموانئ
الأراضي
الشركات
وحتى المواقع المتصلة بالأمن القومي
كل هذا لا لتمويل تنمية، بل لسداد أقساط وفوائد قروض سبقتها قروض.
الخلاصة: هل تحقق نبوءة “أضحوكة العالم”؟
حين تصبح الدولة:
أكبر مقترض
وأعلى فائدة
وأكبر بائع لأصوله
وأنشأ “ناديه الخاص للفاشلين”
فإن السؤال لم يعد إن كانت مصر في أزمة…
بل:
هل تحولت الأزمة إلى هوية رسمية؟
وهل صار السيسي فعلاً، كما قيل مبكراً، رئيساً لاتحاد الغارقين في الديون؟
وهل بات المواطن يدفع وحده ثمن شبع “كروش السلطة” من الجيش والشرطة والقضاء ورجال البيزنس؟
نادي المقترضين قد يُنشأ…
لكن المؤكد أن نادي الضحايا اتسع، واسمه: الشعب المصري.