كشف مشروع سيارة (كيوت) يكشف عن تناقضات السياسات الحكومية في التعامل مع الفئات الفقيرة، بعدما أعلنت محافظة الجيزة عن طرح مركبة جديدة تحمل اسم كيوت كبديل للتوك توك، بسعر يصل إلى 200 ألف جنيه، مع تقديم دعم مالي لا يتجاوز 11 ألف جنيه فقط للراغبين في شرائها، وإتاحة خيارات للشراء نقدًا أو بالتقسيط.
ويُدار المشروع تحت غطاء رسمي من الدولة، بمشاركة وزارة الإنتاج الحربي وشركات توزيع خاصة مثل غبور أوتو، لم ترد أي إشارة إلى أسماء رجال أعمال آخرين.
ويُسوَّق المشروع في الإعلام المجلي خطوة نحو "التطوير"، في حين يؤكد كثيرون أنه مجرد صفقة اقتصادية تخدم مصالح المؤسسات العسكرية ورجال الأعمال، وتترك المواطن أمام عبء مالي جديد.
وفي ظل تدهور الدخول وارتفاع الأسعار، يبدو أن كيوت ليست مشروعًا للنقل بقدر ما هي مرآة لنظام اقتصادي يضع مصالحه فوق احتياجات شعبه.
وأثار القرار الذي رُوِّج له رسميًا باعتباره حلًا حضاريًا لتقنين وسائل النقل الصغيرة، سرعان ما تحول إلى محور انتقادات حادة من المواطنين، خصوصًا العاملين في قطاع التوك توك الذين اعتبروا أن المشروع يضيف عبئًا جديدًا على الفئات الأكثر هشاشة اقتصاديًا.
أسعار مرتفعة ودعم هزيل
وقال تقريران لمنصة (حزب تكنوقراط مصر) على التواصل: إنه "رغم الإعلان عن الدعم الحكومي، فإن المبلغ المقدم لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من التكلفة الإجمالية، ليبقى السعر النهائي بعد الخصم مرتفعًا للغاية مقارنة بمستويات الدخل المتدهورة، في ظل أزمة معاشات وأجور بالكاد تكفي لتغطية فواتير الكهرباء والمياه، بدا المشروع بعيدًا عن الواقع المعيشي للمواطنين، كثيرون اعتبروا أن الدعم الهزيل لا يعكس نية حقيقية لتمكين الفقراء من بديل عملي، بل مجرد محاولة شكلية لإظهار اهتمام حكومي دون معالجة جوهرية لأزمة النقل الشعبي".
مخاوف اقتصادية
ونقلت المنصة عن اقتصاديين أن طرح مشروع بهذا الحجم دون دراسة جدية لقدرة المواطنين على الالتزام بأقساط تمتد لسنوات، وفي ظل انهيار القوة الشرائية، يجعل المبادرة أقرب إلى مشروع استثماري لصالح الشركات أكثر منه خطة لتحسين مستوى المعيشة، فارتفاع أسعار الوقود والصيانة وقطع الغيار يزيد من أعباء السائقين الذين يعتمدون على دخل يومي محدود، ما يجعل امتلاك (كيوت) شبه مستحيل بالنسبة لهم.
خلفيات الصفقة
التقارير الصادرة عن حزب تكنوقراط مصر كشفت أن المشروع ليس مجرد مبادرة نقل، بل صفقة تجارية كبرى تُدار خلف الكواليس برعاية وزارة الإنتاج الحربي وشركاء من رجال الأعمال، مصنع 999 الحربي، أحد أبرز مصانع الإنتاج الحربي، تم تخصيصه لتجميع مركبات (كيوت) ذات المحرك المحدود (217 سي سي)، في إطار شراكة تضمن للجيش الغطاء السيادي ولرجال الأعمال الأرباح والتوزيع، بينما يُترك المواطن لتحمل التكلفة الباهظة.
واعتبرت أن هذا التحول في دور الإنتاج الحربي من مؤسسة وطنية إلى شريك تجاري مباشر أثار تساؤلات حول أولويات الدولة، إذ بدا أن الهدف الأول هو تحقيق سيولة مالية وفتح بوابة جديدة للربح، لا خدمة المواطن أو تطوير منظومة النقل.
طبيعة المركبة
ورغم الترويج لها كسيارة، فإن كيوت ليست سيارة بالمعنى التقليدي، بل مركبة خفيفة أقرب في أدائها إلى التوك توك نفسه، لا تقدم للمواطن أكثر مما يقدمه التوك توك، لكنها تُطرح بسعر مضاعف، ما يجعلها خارج نطاق قدرة معظم سائقي التوك توك الذين يكافحون يوميًا لتأمين لقمة العيش، هذا التناقض دفع كثيرين للتساؤل: إذا كان الهدف هو تقنين النقل، فلماذا لا تُقدَّم مركبة بسعر مناسب؟ وإذا كان الهدف «تحديث الشارع»، فلماذا لا يُدعَم بديل حقيقي بتكلفة يمكن أن يتحملها السائق الفقير؟
مكاسب المنتجين.. أعباء المواطنين
تكنوقراط مصر تساءل عن الشراكة بين الإنتاج الحربي وشبكات توزيع مثل «غبور أوتو» وطبيعة الصفقة حيث توفر الدولة الغطاء الرسمي، الإنتاج الحربي يقدم المصانع والتسهيلات، رجال الأعمال يضمنون الأرباح، والمواطن يتحمل التكلفة، هذا النموذج ليس جديدًا، بل يعيد إنتاج معادلة عرفها المصريون مرارًا: مشاريع رسمية بغطاء سيادي، أرباح لرجال الأعمال، وسوق يُجبر على شراء منتج لا يناسبه.
غياب الاختيار
والنقد الأبرز للمشروع يتمثل في غياب حرية الاختيار لدى المواطن، بدلًا من تطوير التوك توك أو تقنينه أو تحسين شروط عمل سائقيه، يتم إقصاؤه واستبداله بمركبة جديدة باهظة الثمن تُفرض على السوق رغمًا عن الناس، هكذا يصبح الشارع المصري حقل تجارب لصفقات تُصنع في المكاتب المغلقة، بينما يظل المواطن بلا صوت أو بديل حقيقي.
أزمة منظومة لا أزمة وسيلة
في النهاية، يرى مراقبون أن كيوت ليست حلًا لأزمة النقل، بل نموذجًا لأزمة أعمق في السياسات الاقتصادية، إنها صفقة مكتملة الأركان: الإنتاج الحربي يقود المشروع، رجال الأعمال يسوّقون ويبيعون، الدولة تفرضه ك"بديل حضاري"، والمواطن يعاني لشراء وسيلة رزق بسعر لا يتحمله، الأزمة ليست في وسيلة النقل نفسها، بل في منظومة ترى في المواطن مصدرًا للجباية لا شريكًا في الوطن.
وشددت على أن الدولة ومؤسساتها تحولت من دورها العام إلى لاعب تجاري، فرضت بدائل مكلفة تحت لافتة “التطوير”، وحين يصبح الجيش طرفًا مباشرًا في صفقات لا تخدم الفقراء — فاعلم أن الهدف ليس التنمية بل الربح.
https://x.com/egy_technocrats/status/1996922787777142937
