تغليظ عقوبات المرور… المواطن يدفع ثمن فشل الدولة والطرق تتحول إلى فخاخ
في خطوة جديدة تعكس منطق إدارة الأزمات بالعقاب لا بالإصلاح، تمضي حكومة عبد الفتاح السيسي في تغليظ عقوبات المرور وفرض غرامات باهظة تصل إلى آلاف الجنيهات، مرفقة بعقوبات حبس، بذريعة تحقيق “الردع العام” والحد من حوادث الطرق. غير أن هذه المقاربة، بحسب مراقبين وخبراء، تتجاهل عمداً أصل المشكلة، وتحوّل المواطن إلى المتهم الدائم، فيما تُعفى الدولة ومؤسساتها السيادية من أي مساءلة عن انهيار منظومة الطرق.
فبينما تُحمّل القوانين الجديدة السائقين مسؤولية شبه مطلقة عن حوادث السير، تشير الوقائع على الأرض إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في سوء تصميم الطرق ورداءة تنفيذها، إضافة إلى الفساد المرتبط بتوريد خامات منخفضة الجودة، ما يجعل كثيراً من الطرق غير آمنة منذ افتتاحها.
وخلال السنوات الأخيرة، تكررت مشاهد انهيار طرق وكباري بعد أشهر قليلة من إنشائها، بعضها لم يصمد أمام أمطار موسمية عادية، في بلد لا يعرف الأمطار الغزيرة. ورغم ذلك، لم يُفتح أي تحقيق جاد، ولم يُحاسب أي مسؤول، في ظل هيمنة المؤسسة العسكرية، وتحديداً الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، على قطاع الطرق والبنية التحتية.
المؤسسة فوق المساءلة
تتولى الهيئة الهندسية تنفيذ الجزء الأكبر من مشروعات الطرق القومية، بعيداً عن الرقابة البرلمانية أو الجهاز المركزي للمحاسبات، وبآليات إسناد مباشر تفتقر إلى الشفافية. ويعد الفريق كامل الوزير، الذي ترأس الهيئة الهندسية لسنوات، أحد أبرز رموز هذا النموذج، قبل أن يكافئه السيسي بتعيينه وزيراً للنقل، ثم توسيع صلاحياته لاحقاً لتشمل وزارة الصناعة.
ويرى منتقدون أن هذا التعيين لم يكن استثناءً، بل تجسيداً لسياسة تدوير المسؤولين بدلاً من محاسبتهم، حتى مع تزايد أعداد ضحايا حوادث الطرق، واستمرار الأعطال والانهيارات في مشروعات يفترض أنها “قومية”.
الجباية بديلاً عن الإصلاح
في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، ينظر كثير من المصريين إلى تشديد الغرامات المرورية باعتباره أداة جباية جديدة تستهدف سد عجز الموازنة على حساب المواطنين، لا سيما الفئات الفقيرة ومحدودي الدخل. فالغرامات التي تبدأ من آلاف الجنيهات تمثل عبئاً ضخماً في بلد تجاوزت فيه معدلات الفقر ثلث السكان، وتآكلت فيه الأجور بفعل التضخم.
وبدلاً من توجيه الموارد لتحسين جودة الطرق، وإعادة تصميمها وفق معايير السلامة، وتطوير الإشارات والإنارة، تكتفي الحكومة بتشديد العقوبة، وكأن المشكلة تكمن فقط في سلوك السائق، لا في طريق محفوف بالحفر، أو كوبري بلا فواصل أمان، أو طريق سريع بلا إنذار أو تخطيط هندسي سليم.
قانون يلاحق المواطن ويحمي المتسبب الحقيقي
يؤكد خبراء نقل أن تقليل حوادث الطرق لا يتحقق بالعقوبات وحدها، بل بمنظومة متكاملة تشمل:
تخطيطاً هندسياً آمناً،
خامات مطابقة للمواصفات،
صيانة دورية،
شفافية في الإسناد،
ومحاسبة حقيقية للمسؤولين عن الإهمال.
لكن في مصر، يبدو أن المعادلة معكوسة: المواطن يُعاقَب، والطرق تقتل، والمسؤول محصّن.
وفي النهاية، لا تعكس تعديلات قانون المرور رؤية إصلاحية بقدر ما تكشف عن نهج سلطوي يعالج نتائج الفشل بالقمع المالي والقانوني، بينما يترك جذور الأزمة قائمة، بل محمية، تحت لافتة “المشروعات القومية” والمؤسسة التي لا تُسأل.