تشريعات بلا أثر وسجون بلا عدالة ..استراتيجية جديدة لحقوق الإنسان بمصر وغطاء جديد لواقع القمع

- ‎فيتقارير

في وقتٍ تؤكد فيه منظمات حقوقية محلية ودولية أن السجون المصرية تضم أكثر من 60 ألف معتقل سياسي، بينهم ما يزيد على ألف معتقلة، فضلاً عن مئات الضحايا جراء القتل الطبي والإهمال المتعمد داخل السجون، وآلاف حالات الإخفاء القسري التي لم يُكشف عن مصير أصحابها حتى اليوم، خرجت سلطات الانقلاب العسكري لتعلن عزمها إطلاق «استراتيجية جديدة لحقوق الإنسان» مطلع العام المقبل.

وزعم وزير الخارجية والهجرة في حكومة الانقلاب، بدر عبد العاطي، خلال اجتماع للجنة حقوق الإنسان بمجلس الشيوخ، أن بلاده تستعد لتدشين استراتيجية حقوقية جديدة «تتضمن الإنجازات والتحديات، وتقيس مدى تنفيذ الأهداف الموضوعة»، مع رفع تقارير مباشرة إلى رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، في خطوة اعتبرها حقوقيون محاولة مكشوفة لتجميل صورة النظام خارجياً، لا سيما مع تصاعد الانتقادات الدولية لسجله الحقوقي.

وتحدث عبد العاطي عن «خدمة المواطن المصري» و«تعزيز الحقوق والحريات»، مؤكداً أن الملف الحقوقي «لا يُدار لإرضاء أطراف خارجية»، في وقتٍ تُصادر فيه أبسط الحقوق السياسية، ويُزج بالمعارضين والصحفيين والطلاب والنشطاء خلف القضبان، غالباً بلا محاكمة عادلة، أو عبر قضايا ملفقة أمام دوائر استثنائية.

تشريعات بلا أثر… وسجون بلا عدالة

ورغم حديث الوزير عن الالتزام بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021–2026)، وترويج ما وصفه بـ«حزمة تشريعات داعمة للحقوق»، تؤكد منظمات مستقلة أن هذه القوانين لم تنعكس بأي شكل على واقع الحريات، بل تزامنت مع توسع غير مسبوق في الحبس الاحتياطي المطول، وإعادة تدوير المعتقلين في قضايا جديدة فور صدور قرارات بإخلاء سبيلهم.

ويأتي هذا الخطاب الرسمي في وقتٍ أثارت فيه إحالة 64 متهماً إلى المحاكمة في قضايا أمن دولة عليا، على خلفية التضامن مع غزة وجمع تبرعات إنسانية، موجة إدانات واسعة، حيث وصفت منظمات حقوقية هذه الخطوة بأنها «تعسفية» وتفتقر لأي مبرر قانوني، وتعكس استخدام القضاء أداة لتجريم العمل العام والتضامن الإنساني.

أكذوبة «مراكز التأهيل»

ومن أكثر التصريحات إثارة للجدل، ادعاء عبد العاطي أن الدولة «هدمت 41 سجناً» واستبدلتها بما سماه «مراكز للتأهيل والإصلاح»، مدعياً أنها تحظى بإشادات واسعة، وأن بعض السجناء «رفضوا مغادرتها» بعد انتهاء مدة عقوبتهم، في رواية قوبلت بسخرية واستنكار واسعَين، في ظل توثيق عشرات حالات الوفاة داخل هذه المراكز نفسها، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد ومنع العلاج.

وتؤكد تقارير حقوقية أن ما يسمى «مراكز الإصلاح» ليست سوى سجون مغلقة بظروف أشد قسوة، يُحرم فيها المعتقلون من الزيارات، والتريض، والرعاية الصحية، في انتهاك صارخ للمعايير الدولية التي تزعم السلطات الالتزام بها.

خصوصية ثقافية أم تبرير للقمع؟

وفي محاولة لتبرير هذا السجل، أعاد عبد العاطي استخدام خطاب «الخصوصية الثقافية والدينية» لرفض الانتقادات الدولية، معتبراً أن بعض الحقوق «لا تتوافق مع طبيعة المجتمع المصري»، وهو خطاب اعتاد النظام استخدامه لتبرير قمع حرية التعبير والصحافة، وتجريم الاختلاف السياسي، تحت غطاء السيادة والهوية.

ويرى حقوقيون أن هذا الطرح لا يعدو كونه ذريعة سياسية للهروب من المساءلة، خاصة في ظل الصمت المريب لبعض المراكز الحقوقية الرسمية وشبه الرسمية، التي باتت تلعب دور «شاهد الزور» على أكبر موجة انتهاكات تشهدها مصر في تاريخها الحديث.

غزة في الخطاب… والسجون في الواقع

وبينما استعرض الوزير ما وصفه بالدور المصري في دعم القضية الفلسطينية، تجاهل حقيقة أن عشرات المصريين يقبعون في السجون بسبب تضامنهم مع غزة، وأن التظاهر السلمي أو جمع التبرعات الإنسانية بات جريمة تُعاقب عليها محاكم أمن الدولة.

خلاصة المشهد

في المحصلة، تبدو «الاستراتيجية الجديدة لحقوق الإنسان» مجرد واجهة دعائية في ظل استمرار الاعتقال السياسي، والإخفاء القسري، والقتل البطيء داخل السجون، وغياب أي إرادة سياسية حقيقية للإصلاح. فبين خطاب رسمي منمّق وواقع قاتم، تتسع الفجوة، ويبقى ملف حقوق الإنسان في مصر شاهداً على نظام يستخدم القوانين والاستراتيجيات كأدوات للتضليل، لا كمدخل للعدالة والحرية.